في سابقة خطيرة تمس جوهر سيادة القانون وصورة الدولة تجاه مواطنيها، شرعت مصالح الجمارك بمعبر باب سبتة خلال الأيام الأخيرة في تطبيق إجراءات غير مسبوقة، طالبت من خلالها عشرات العابرين العودة إلى سبتة المحتلة لمجرد حملهم بضائع شخصية صغيرة لا تتجاوز في الغالب كيساً أو كيسين من الهدايا أو المستلزمات اليومية، وهو إجراء غريب وتعسفي ولا يستند إلى أي نص قانوني أو مسطرة تنظيمية معلنة.
ووفقاً لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يحق للمسافرين إدخال أغراضهم الشخصية دون تصريح ما دامت للاستعمال الفردي وليست موجهة للاتجار، ومع ذلك وجد مواطنون أنفسهم مجبرين على الرجوع قسراً إلى خارج التراب الوطني فقط لأن أعوان الجمارك – بحسب شهادات عديدة – “لا يرغبون في تضييع وقتهم في تحرير المحاضر أو القيام بالحجز”.
إرجاع المواطنين إلى سبتة… قرار بلا قانون يهز صورة الدولة
إن إرغام المواطنين على العودة إلى سبتة يشكّل فعلياً منعاً غير قانوني من دخول الوطن، وهو سلوك لا يقره أي نص في القانون المغربي، ولا ينسجم مع المبادئ الدستورية التي تكفل حق التنقل وكرامة العبور على المراكز الحدودية. وبدل تطبيق المساطر المعروفة، سواء عبر الحجز أو أداء الرسوم أو تحرير محضر، اختار بعض الأعوان أسلوباً أسهل يقوم على إرجاع المواطن إلى الخارج ودفعه إلى طابور العودة لساعات طويلة لإعادة بضائعه أو التخلص منها داخل سبتة، في حين وقع آخرون في “فخ العودة” بمجرد توجيههم إلى المسار المعاكس، ليفقدوا حق مواصلة العبور ويتحول المعبر إلى فضاء للفوضى لا علاقة له بقواعد دولة القانون.
هذا النوع من الممارسات لم تشهده البلاد حتى في سنوات الشدة والرصاص، واليوم، بينما تحرص الدولة على تحسين صورة المعابر وتعزيز حضور القانون، يبرز هذا السلوك ليفتح الباب أمام شطط في استعمال السلطة، واحتجاز فعلي لمواطنين دون أي سند، وتشويه لسمعة مؤسسات الدولة أمام الرأي العام، وخلق بؤرة توتر داخل نقطة حدودية حساسة.
جمعيات حقوقية أعلنت نيتها مراسلة الجهات المركزية وطلب فتح تحقيق حول هذه التجاوزات التي تمس حرية التنقل وكرامة المواطنين، في حين توجّه آخرون مباشرة إلى القضاء معتبرين ما وقع لهم فعلاً تعسفياً وشططاً في استعمال السلطة من طرف جهاز يفترض فيه أن يكون نموذجاً للانضباط واحترام النصوص.
إن المعابر الحدودية ليست مناطق رمادية، بل جزء من التراب الوطني يجب أن يسود فيه القانون وحده لا المزاج الشخصي ولا “القاعدة الشفوية”. ومن حق الدولة تنظيم دخول البضائع، لكن ليس من حق أي جهاز منع مواطن من دخول بلده أو خلق مساطر من خياله. لذلك بات من الضروري تدخل وزارة المالية وإدارة الجمارك بشكل عاجل لوضع حد لهذا الانفلات، وإعادة الاعتبار للقانون وللمواطن وللمعبر الذي تحوّل للأسف إلى نقطة للفوضى بدل أن يكون بوابة آمنة للوطن.





