في تطوان، لم يعد الحديث عن كلية الاقتصاد والتدبير مجرد نقاش أكاديمي، بل صار رمزًا لصراع طويل بين القرار والممارسة، بين الحبر والواقع.
لقد أعلن عن إحداث الكلية رسميًا، وصدرت الوعود والتصريحات، لكن المرسوم — ذلك النص البسيط في الجريدة الرسمية — لم يرَ النور بعد.
وبينما تتنقل الأوراق من مكتب إلى آخر، خرج أساتذة الجامعة إلى الشارع حاملين كتبهم بدل اللافتات، يطالبون فقط بـ حق جامعةٍ في الاعتراف، وحق مدينةٍ في مؤسستها المنتظرة.
الاحتجاج لم يكن صخبًا بقدر ما كان رسالة صامتة إلى دولة تُعلن الإصلاح وتنسى التنفيذ.
كيف يمكن أن نتحدث عن نهضة جامعية في جهة طنجة تطوان الحسيمة، إذا كانت كلية جاهزة بكل تفاصيلها، تنتظر توقيعًا إداريًا لتبدأ الحياة؟
كيف يمكن أن نقنع شباب الشمال بأن التعليم هو طريق المستقبل، ونحن نغلق الأبواب أمام مؤسسة كان يُفترض أن تُكوّن خبراء الغد في الاقتصاد والتدبير؟
إن التأخر في نشر مرسوم الإحداث ليس مسألة شكلية، بل خلل يمس الثقة في المؤسسات.
فحين يتحول الإصلاح إلى وعد مؤجل، يُصاب الوسط الجامعي بالإحباط، وتخسر الدولة جزءًا من مصداقيتها أمام أساتذتها وطلبتها.
الجامعة لا تحتاج فقط إلى بنايات جديدة، بل إلى جرأة في اتخاذ القرار واحترام الزمن الإداري، لأن تأجيل النصوص هو في النهاية تأجيل للعقول.
تطوان لا تطلب المستحيل.
تطلب فقط أن تُكتب كلمة “كلية الاقتصاد والتدبير” في الجريدة الرسمية، لتُفتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم العالي بالشمال.
تطلب أن تتحول الوعود إلى واقع، وأن تُمنح الجامعة حقها في أن تنمو وتبدع وتُسهم في تنمية الجهة التي كانت دائمًا خزّانًا للعقول المغربية المهاجرة.
إن ما يقع اليوم هو صورة مصغّرة من مأزق الإصلاح في المغرب: نعلن عنه بحماسة، ثم نُفرغه من مضمونه بالتأجيل.
وما لم نفهم أن الزمن الجامعي لا ينتظر البيروقراطية، سنبقى نؤجل المستقبل بحجج الماضي.