يشهد المغرب، منذ بداية الألفية الثالثة أحداث اقتصادية وسياسية واجتماعية متسارعة، شملت تعديلات دستورية جوهرية كما حدث سنة 2011، وتعزيز أدوار الجهات والمنتخبين المحليين في إطار ما يُعرف بـ”الجهوية المتقدمة”. وقد ساهم هذا المسار في توسيع هامش الحريات، وإشراك المواطنين في تدبير شؤونهم المحلية عبر صناديق الاقتراع، ورفع سقف التوقعات تجاه النخب السياسية الجديدة التي أفرزتها المحطات الانتخابية الأخيرة، خاصة انتخابات 2021 التي أعادت رسم الخريطة الحزبية الوطنية، وان كانت هاته الخريطة السياسية لم تجب على حاجيات ومتطلبات وانتظارات المواطنين والمواطنات.
لكن، ورغم هذه الدينامية، لا يزال جزء كبير من المواطنين يعبّرون عن شعور متزايد بالخذلان تجاه الفاعل السياسي، نتيجة ما يعتبرونه تراجعًا عن الوعود، وضعفًا في الأداء، وتغليبًا للمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة. كما أن مشهد التسيير داخل المجالس الجماعية والجهوية يكشف، في عدد من الجهات، عن غياب فعلي للكفاءة، وتضارب في الاختصاصات، وافتقار للرؤية التنموية، فضلاً عن عجز بيّن في التواصل مع المواطن والإعلام.
ويزداد هذا الشعور بالإحباط في مدن كبرى مثل طنجة، التي تُعد من أبرز المراكز الحضرية في المغرب، نظرًا لموقعها الاستراتيجي، وثقلها الاقتصادي، ووزنها الديموغرافي، حيث يتطلّع السكان إلى تسيير محلي في مستوى طموحاتهم، غير أن واقع الحال يُشير إلى العكس.
بالمقابل لا يمكن لا يمكن الحديث عن المشهد السياسي المحلي دون الوقوف مطولاً عند التجربتين “الحاكمتين” في المدينة: حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة. كلاهما يُعتبران القوة الانتخابية الكبرى التي حصدت غالبية المقاعد في انتخابات 08 شتنبر 2012، سواء على مستوى مجلس جماعة طنجة أو على صعيد المقاطعات الأربع، وأيضًا مجلس عمالة طنجة أصيلة.
لكن المفارقة الصارخة أن هذا الحضور القوي على مستوى التمثيلية لم يقابله أداء سياسي أو تدبيري يتناسب مع حجم الثقة الممنوحة. بالعكس، تعيش طنجة منذ حوالي أربع سنوات حالة من الجمود، الارتباك، وانعدام الانسجام، بل تحولت المجالس المنتخبة إلى ساحة نزاع سياسي داخلي بين التحالف الثلاثي الوطني قبل أن يكون هناك خلاف مع المعارضة، في الوقت الذي تتفاقم فيه معاناة السكان مع النقل، التعمير، النظافة، الإنارة، وغياب المشاريع الكبرى، والإصلاحات الكبرى التي أصبح الوالي يونس التازي يشرف عليها بنفسه، في تنازل صريح للمؤسسات المنتخبة على صلاحياتها.
السياق السياسي العام بطنجة: هيمنة لا تعني التفوق
منذ انتخابات 2021، برز حزب التجمع الوطني للأحرار كقوة انتخابية أولى على الصعيد المحلي والجهوي، مستفيدًا من نفوذه الوزاري والمالي، فهو من يسير مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة واحتل المرتبة الأولى بطنجة من حيث عدد المقاعد بالمجلس الجماعي، فيما واصل حزب الأصالة والمعاصرة حضوره القوي داخل المجالس المنتخبة، خصوصًا تمكن من تسيير المجلس الجماعي للمدينة وترأس مقاطعة السواني ومغوغة ويوجد في التسيير بكل من مقاطعة بني مكادة وطنجة المدينة ويترأس مجلس عمالة طنجة أصيلة وأيضا يترأس غرفة الصناعة التقليدية بالجهة، غير أن هذه الهيمنة لم تنعكس على الأداء الميداني، بل على العكس، تكشف المعطيات أن الطابع المشترك بين أغلب المنتخبين عن الحزبين هو الارتباك في التسيير، والصراع الداخلي، والعجز عن التواصل.
فشل في التسيير.. مشاريع معطلة واحتجاجات مستمرة
يُجمع متتبعو الشأن المحلي والسياسي في طنجة على أن تجربة المجالس الحالية لم تحقق قفزة نوعية في التنمية الحضرية. ويظهر ذلك جليًا من خلال تعثر عدد من الأوراش الكبرى، من قبيل إعادة هيكلة الأحياء الهامشية، ومعالجة أزمة النقل الحضري. وغالبًا ما يُعزى هذا التعثر إلى سوء التنسيق بين الأحزاب المكونة للتحالف، وغياب رؤية موحدة للتنمية، مما يجعل التداخل في الاختصاصات والقرارات المرتجلة هو السائد.
المثال الأبرز على هذا الفشل ما وقع في مجلس جماعة طنجة، حين تم رفض مشروع سوق سيدي حساين وغيرها من القرارات، كما فشل في التصويت بالأغلبية على نائب العمدة العاشر حيث عادت الى مرشح المعارضة محم الشرقاوي قبل ان يتم عزله بقرار قضائي، ، ما أدى إلى تصاعد أصوات رافضة، واستقالات من داخل فرق الأغلبية نفسها.
فشل في اتخاذ القرار.. التردد والخضوع للسلطة المركزية
سياسيًا، يُنظر إلى المنتخب المحلي كممثل للإرادة الشعبية، يُفترض فيه اتخاذ قرارات تنبع من حاجيات المواطنين، لكن في طنجة، غالبًا ما تُتخذ القرارات الكبرى بتوجيهات فوقية، ويكتفي المنتخبون بالتنفيذ، ما يفقدهم هامش الاستقلالية والمبادرة.
يقول أحد المستشارين الجماعيين السابقين، طلب عدم ذكر اسمه: “العديد من رؤساء المقاطعات بطنجة لا يجرؤون على اتخاذ مواقف واضحة، بل ينتظرون التعليمات من مسؤوليهم الحزبيين أو من ممثلي السلطة، وهذا يُضعف مصداقيتهم أمام المواطنين.”
ويضيف دان المتحدث، بل ويضعف من أدوارهم في الترافع، نموذج الشواهد الإدارية التي تمكن الساكنة من ادخال الماء والكهرباء، فعدد من الساكنة محرومة من حقها في الحصول على الماء والكهرباء وينتظرون ترافع ودفاع السياسيين المنتخبين على حقوقهم.
وفي خضم هذا التحليل السياسي تبرز قواسم مشتركة بين زعماء هدين الحزبين السياسيين على المستوى المحلي، خصوصا بين منسقين اقليميين، وهما السيد “عمر مورو: المنسق الإقليمي وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار وهو أيضا رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، وما بين السيد “منير ليموري”، الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصر بطنجة أصيلة وعمدة مدينة طنجة.
ليموري” و”مورو” القواسم المشتركة.. يراكمون في الفشل السياسي والتنظيمي
من الطبيعة البشرية، أن تجد نقط الإختلاف الكثيرة بين شخصين، وأن تجد بعض القواسم المشتركة بين نفس الشخصين، لكن في طنجة، لن تجد نقط تلاقي الإيجابية بين عمر مورو ومنير ليموري، لكن يمكنك أن ترصد القواسم المشتركة السلبية بين شخصين، ولعل من أبرز وأهم القواسم المشتركة بين سياسيي “مورو” و”ليموري”، الفشل الكبير في تدبير الشأن التنظيمي للحزبين.
ليموري، فشل تنظيميا في توسيع قاعدة حزب البام إقليميا، رغم الترويج لبعض الأنشطة المحلية، إلا أن قاعدة المنخرطين الحقيقيين جد محتشمة في مدينة مليونية، فمدينة مليون و200 ألف نسمة لن تجد فيه حتى 1000 منخرط مقتنع بالبرلنامج السياسي والخط الإديولوجي للبام.
كما أن البام لا يوجد تنظيميا في عدد من الجماعات القروية فلن تجد لهم مقرا ولا مكتبا مسيرا ولا لجنا تنظم عملهم، بل أكبر فضيحة يمكن تسجيلها، مدينة أصيلة التي يسيرها حزب البام، لا يتوفرون فيه على مكتب محلي رغم أن أصيلة مدينة مستقلة بذاتها، كما أن الحزب لا يتوفر على مقر بهذه المدينة، خلاف حزب الإتحاد الدستوري وحزب العدالة والتنمية بنفس المدينة.
واذا كنا قد سجلنا نقاط الفشل التنظيمي لحزب البام الذي يمثله ليموري كأمين إقليمي، فهي نفس القواسم التي يشتركها أيضا حزب الأحرار، فعمر مورو، فشل تنظيميا أيضا في رفع قاعدة المنخرطين، رغم أن الحزب إقليميا ينتمي البه مجموعة من رجال الأعمال الذين إمكانية استقطاب المنخرطين، لكن وحتى ان قاموا بذلك، فهؤلاء المنخرطين لن يدافعوا علن الخط السياسي والإديولوجي لحزب “الحمامة”، وهو ما يؤكد أن أغلب المنخرطين يمارسون العمل الإنتخابي وليس العمل السياسي القاعدي.
كما أن في عهد مورو، لم يتمكن من هيكلة العديد من الفروع بالجماعات القروية، رغم ما يحاول القيام به، كما أن مورو فشل فشلا ذريعا في ملف أصيلة لحدود الساعة الحزب لا يتوفر على مكتبا ولا مقرا، وان كانت هناك بعض أنباء غير مؤكدة على وجود لجنة تحضيرية، إلا أن الأمر لن يغير شيئا في الواقع.
كما يمكن التسجيل قاسم مشترك بين الحزبين بين الحزبين، ويتمثل في عدم انضباظ المستشارين الجماعيين المنتميين لهذين التنظيمين، للقرارات الحزبية وهو ما تبين بشكل ملموس وواضح في عدد المحطات السياسيىة.
مورو وليموري ..فشل في التواصل
ان مهارات التواصل السياسي داخل المجالس المنتخبة، والتواصل مع الجل الفرقاء والمتدخلين الأساسيين بالمحتمع، تعتبر قاسما مشتركا بين مورو وليموري، إذ تسود علاقات التوتر والانقسام بين الفرقاء، حتى داخل نفس التحالف، ما يؤدي إلى تعطيل أشغال اللجان وتنامي الصراعات الشخصية.
في إحدى دورات مجلس جماعة طنجة الأخيرة، شهدت القاعة مشادات كلامية بين عضوين ينتميان لنفس الأغلبية، انتهت بانسحاب أحدهما من الجلسة. هذه المشاهد المتكررة تُعطي انطباعًا بأن الانسجام بين مكونات المجلس هو مجرد واجهة إعلامية، في حين أن الواقع يكشف هشاشة التحالفات، وعدم القدرة على العمل المشترك.
الفشل الإعلامي.. غياب استراتيجية للتواصل مع الصحافة
رغم أهمية الإعلام في نقل المشاريع والتفاعل مع قضايا الساكنة، فإن تواصل مورو وليموري، ضعيف جدا، حتى التصريحات التي يقدمونها لا تتجاوز الدورات المنظمة او بعض الأنشطة التي يروجون لها.
امام التواصل الدائم ووضع الإعلام والرأي العام في قلب الحدث وشرح لهم جل المستجدات الساحة السياسية أو مستجدات التدبير الترابي فذلك غير موجود بصفة نهائية، والدليل أو النتيجة هي غياب شبه كلي للمعطيات الرسمية، وصعوبة في الوصول إلى المعلومة، ما يُضعف الرقابة المجتمعية على التسيير.
العديد من الصحفيين المحليين عبروا عن استيائهم من هذا الوضع، حيث أكد عدد من الصحافيين خلال تواصلهم مع “شمال بوست”: “نحن لا نطلب شيئًا خارقًا، فقط توضيحات حول المشاريع والميزانيات، لكن نجد صدًا من طرف بعض المسؤولين المحليين الذين لا يجيبون على المكالمات ولا يردون على المراسلات.”
الفشل في التواصل مع الرأي العام.. خطاب مفرغ من المعنى.
في خطاباتهم العلنية، يحرص سياسيّو الأحرار والبام، وعلى رأسهم مورو وليموري، على استعمال مصطلحات فضفاضة مثل “الإقلاع التنموي” أو “رؤية مندمجة”، دون تقديم دلائل ميدانية أو إحصاءات دقيقة. هذا النوع من الخطاب السياسي يُفقد المواطن الثقة في ممثليه، خصوصًا عندما تكون هناك تناقضات صارخة بين ما يُقال في المنصات، وما يُلمس على الأرض.
وقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي المحلية التي قامت بها منظمات مدنية في طنجة، أن نسبة كبيرة من السكان لا يعرفون حتى أسماء رؤساء المقاطعات أو مهامهم، وهو ما يدل على غياب حضور سياسي فعّال في الفضاء العمومي.
تشابه الوجوه.. غياب البديل وتدوير النخب
رغم الاختلاف النظري بين الحزبين، فإن المتتبع يلاحظ تقاربًا في الممارسات، بل إن بعض الوجوه انتقلت بينهما في السنوات الأخيرة، الغزواني غيلان من البام إلى الأحرار، وعبد العزيز بن عزوز من الأحرار الى البام، مما يعزز الإحساس لدى المواطن بأن الأحزاب مجرد “يافطات”، في حين أن الوجوه لا تتغير، والممارسات لا تتطور. فتجد نفس الخطاب، نفس العلاقات الزبونية، ونفس أساليب الحملة الانتخابية المبنية على الاستمالة بدل الإقناع.
في هذا السياق، يقول الباحث في العلوم السياسية (ع.ش): “ما يعيشه المشهد السياسي بطنجة ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكم سنوات من التسيير المرتكز على الولاءات الشخصية، وليس على البرامج الحقيقية أو الكفاءة.”
في طنجة، تتشابه الوجوه السياسية رغم اختلاف الألوان الحزبية. وهو ما سجلناه من خلال مقارنة بسيطة بين ليموري ومورو، ومع تكرار الفشل في التسيير، واتساع فجوة التواصل، يفقد المواطن ثقته في العمل السياسي برمته. وحده وعي المواطنين، ودفعهم في اتجاه التغيير عبر صناديق الاقتراع والضغط المدني، يمكن أن يفتح صفحة جديدة في تاريخ المدينة.