خلف القرار الذي اتخذته الإدارة الامريكية برئاسة الرئيس الاسبق دونالد ترامب يوم 10/12/2020 والقاضي باعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على صحراءها، جملة من ردود الفعل المتباينة والمتناقضة ، والتي تراوحت في التعبير عن نفسها بين التأييد المفرط حد الحماسة ودون التأصيل من لدن بعض المحللين لهذا القرار ، وبين رد الفعل المستخف و المبخس لقيمة قرار الاعتراف مادام تم ربطه ميكانيكيا بعودة العلاقات المغربية-الإسرائيلية، و بين رد الفعل المعارض و الرافض و الذي عبرت عنه كل من الجزائر و حليفتها جبهة البوليساريو والهيئات والمنظمات التابعة لهما، مضمنين موقفهم بدعوة الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب جو بايدن بالتراجع عليه.
إن الوقوف عند هذه الردود جمعاء، تجعل أي متتبع حصيف يستنبط من الوهلة الأولى مدى القصور و العجز على فهم السياق العام الذي جاء فيه القرار الأمريكي بخصوص قضية الصحراء ، ما دامت تغفل عن وعي او دون وعي المسار التراكمي و التصاعدي للموقف الأمريكي من لحظة دعم المشروع المغربي للحكم الذاتي الى الاعتراف الكامل بالسيادة المغربية على صحراءه، ف ” الإدارات الامريكية المتعاقبة قدَّمت جميعها الدعم للحكم الذاتي باعتباره حلاً لهذا النزاع الإقليمي” *1، منذ حكومة جورج والكر بوش مرورا بالرئيس باراك أوباما وصولا الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، و من خلال هذا المسار يمكننا استقراء الموقف الذي ستتخذه الإدارة الامريكية في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن. وبالتالي يكون استحضار هذا المسار وأهم محطاته عاملا حاسما لفهم قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
لقد شكل الخطاب الملكي بمدينة العيون قلب الصحراء، يوم 25 مارس 2006، محطة مفصلية في تاريخ معالجة الدولة المغربية لقضية الصحراء، حيث تمحور هذا الحدث البارز في الإعلان الرسمي والميداني لتدشين مسار بلورة مشروع الحكم الذاتي عبر آلية إشراكيه للساكنة الصحراوية في المساهمة المباشرة في عملية بناء تصور شامل حول الحكم الذاتي، تمثلت في تأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية كمؤسسة تمثيلية استشارية انيطت بها مهمة بلورة المقترح المغربي.
هذه المحطة المفصلية واكبتها لاحقا تطورات وتحولات في مواقف العديد من الفاعلين في المنتظم الدولي، من أهمها التحول الواضح والتفاعلي للموقف الأمريكي سواء من خلال معاهد دراساته الاستراتيجية و سواء من خلال مواقف الفاعلين السياسيين البارزين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي وصولا الى التحول العام في رؤية الإدارة الامريكية الثابتة للمنطقة المغاربية برمتها و من ضمنها المغرب ونزاعه .
في هذا المقال سيتم التركيز على جرد تطورات الموقف الأمريكي بخصوص قضية الصحراء منذ 2006 الى اليوم، مع تقديم ملاحظات و خلاصات، تمكينا للباحثين و المتتبعين من معطيات ومواقف اعتبرها أساسية في التعمق والتأسيس لأي بحث في هذا الموضوع، ومن جهة حتى يفهم أي متتبع لملف النزاع مؤيدا كان أو معارضا، أننا أمام قرار نهائي لدولة عظمى دوليا وملمة بحيثيات النزاع ، و من جهة ثانية حتى تعطى المكانة الحقيقية للدبلوماسية المغربية التي استطاعت تدبير ملف قضية الصحراء تدبيرا دبلوماسيا ناجحا ، اعتمدت على النهج الهجومي والتفاعلي الرزين والحكيم ، وفي نفس الوقت استطاعت ان تبني دبلوماسية التوازن سواء في علاقتها مع القوى العظمى وداخل المنظمات الدولية و القارية، كما في علاقتها بالنزاعات الظرفية على المستوى الدولي والإقليمي ، مما خول لها القدرة و المكانة في لعب أدوار الوساطة الناجحة و الموضوعية من أجل حل القضايا العالقة بين الأطراف المتنازعة وب الخصوص في المسألة الليبية.
وفيما يلي جرد كرونولوجي للمواقف الامريكية:
31/05/2006 – السفير الأمريكي السيد طوماس رايلي يجري مباحثات مع رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية السيد خليهن ولد الرشيد بمقر المجلس، تركزت على دلالات التركيبة البشرية للمجلس والمنهجية التي ستتبع في تحقيق الأهداف التي حددها الظهير الملكي، وفي نهاية اللقاء صرح السيد السفير لوسائل الاعلام المغربية المرئية والمكتوبة أن هذا اللقاء كان ” مناسبة لتبادل وجهات النظر بشكل جد صريح ومهم وودي”.
25/09/2006 الى 28 منه: زيارة وفد عن المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية لواشنطن، أجرى خلالها سلسلة من المباحثات مع مسؤولين سياسيين أمريكيين بالبيت الابيض وأعضاء من غرفتي الكونغرس الأمريكي، ومسؤولي عدد من المؤسسات، والمنظمات غير الحكومية التي يوجد مقرها بواشنطن. بالإضافة الى المشاركة في مائدة مستديرة بجامعة جورج تاون.
وأثناء هذه الزيارة التقى المجلس الملكي بمقر الكونغرس مع أعضاء من مجلس النواب واعضاء من جمعية ” موروكو كوكيس ” بالكونغرس حيث تم إبراز الطابع الديموقراطي المتميز لمقترح الحكم الذاتي سواء على المستوى العربي أو الإفريقي أو المغاربي.
وحضر هذا اللقاء لينكولن دياز بالارت رئيس “موروكو كوكيس” وفيليب انغليش وايليانا روزليتنين وداريل إيسا وراي لاهود وثادوكس ماكوتر وروبين هايس وميليسا هاست وجيف فورتينبيري وماريو دياز بلارات وجيوف دافيس. واثناء هذا اللقاء اعتبر السيد فيليب انغليش المقترح الملكي بكونه ” مساهمة متميزة في حل قضية الصحراء”.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أكدت السيدة اليانا روز ليتينين وهي ممثلة ولاية فلوريدا وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس أن ” مقترح الحكم الذاتي يتطابق والمبادئ التي تعمل الولايات المتحدة على نشرها”. وأنهم ” سيواصلون العمل من أجل مساعدة المغرب على حل قضية الصحراء “.
من جهة أخرى التقى وفد المجلس بالسيناتور ريشارد لوغر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وأجرى محادثات مع النائبين جيم كولب رئيس لجينة الميزانية الموجهة للعمليات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، الذي عبر عن دعمه «لاتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع المغرب الدي يمثل نموذجا للتسامح والحداثة في العالم العربي “. كما اجري المجلي محادثات مع وايد رويس عضو لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب والرئيس السابق للجنة افريقيا بمجلس النواب.
وأجرى وفد المجلس مباحثات بالبيت الابيض مع السيد إيليوت أبرامس، المستشار المساعد للرئيس بالمجلس الوطني للأمن المكلف بالشرق الأوسط وبالإستراتيجية من أجل الديمقراطية الشاملة، ومع السيد غوردون غراي نائب كاتب الدولة المساعد للشرق الأوسط المكلف بالمغرب العربي، و حضر هذا اللقاء كل من السيدة مايك دوران، المديرة المركزية للشرق الأوسط بالمجلس الوطني للأمن، والسيد نيكولا رامشار، مدير منطقة الشرق الأوسط المكلف بالمغرب العربي بالمجلس الوطني للأمن، والسيد روبير إيوينغ المسؤول عن مكتب المغرب بوزارة الخارجية، وتوماس رايلي، سفير الولايات المتحدة بالمغرب، وعزيز مكوار سفير المغرب بالولايات المتحدة.
كما عقد الوفد جلسة عمل مع السيد جون ألتيرمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتجية الدولية. و لقاء عمل مع توم لانتوس، عضو لجنة العلاقات الدولية ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالكونغرس، بحضور السادة: ألان ماكوفسكي موظف سام وعضو لجنة علاقات الدولية ،هانس جواكيم هوغريف موظف سام ومدير لجنة حقوق الإنسان. وأكد السيد لانتوس أن موقفه من مشروع الحكم الذاتي مرتبط بإطلاعه على نص المشروع.
كما اجرى المجلس لقاءا مع السيد جورج ميك، عضو الكونغرس الأمريكي، الذي أعرب عن اهتمام جميع أعضاء الكونغرس بهذا النزاع .
14-02-2007: المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ليسلي فيليبس تعرب عن تقدير الولايات المتحدة للخطة التي أطلقها المغرب وتثمينها للجهود التي تقوم بها المملكة لإيجاد حل واقعي وقابل للتحقق لقضية الصحراء كما أوضحت السيدة ليسلي فيليبس أن السيد نيكولا بورنز مساعد كاتب الدولة في الشؤون السياسية ” التقى وفدا وزاريا رفيع المستوى لمناقشة جهود المغرب بهدف إعداد مقترح ذي مصداقية يروم المساعدة على تسوية نزاع الصحراء الغربية “. وأضافت المسؤولة الأمريكية أن ” مساعد كاتب الدولة شكر الوفد المغربي لزيارته إلى واشنطن ولتقديم أفكار تتعلق بهذا المشروع, داعيا الحكومة المغربية إلى استكمال مسلسل الاعداد والمشاورات, كما هو مقرر، ووصف الأفكار و التوضيحات التي قدمها الوفد الوزاري ب”الواعدة “. ويتكون الوفد المغربي الذي زار واشنطن لإطلاع المسؤولين الأمريكيين على تقدم مشروع مقترح منح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية, من السادة شكيب بنموسى وزير الداخلية, والطيب الفاسي الفهري الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون, وفؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب في الداخلية ومحمد ياسين المنصوري المدير العام للمديرية العامة للدراسات والمستندات.
16/03/2007: زيارة ممثلين عن المجلس اليهودي الأمريكي بقيادة رئيسه الشرفي السيد بروس رامر للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية حيث اجرى مباحثات مع الأمين العام للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية السيد ماء العينين بنخليهن ماء العينين. و صرح رئيس الوفد بعد نهاية هذا للقاء لوسائل الاعلام االمغربية أنهم ” مهتمون بملف الصحراء، ونتفهم بأن المسألة ليست سهلة، وما يمكنني قوله هو أنني أتمنى، كما يتمنى المغاربة ، أن يتم إيجاد حل سريع لهذه القضية بطريقة تضمن السلامة والأمن لجميع الأطراف”.
24-04-2007 : صرح عضو الكونغرس الأمريكي لينكولن داياز بالارات عن ولاية فلوريدا، إن المبادرة المغربية لمنح حكم ذاتي للصحراء تشكل “فرصة تاريخية للتسوية النهائية” لقضية الصحراء .
ودعا عضو الكونغرس المنتظم الدولي إلى تقديم “دعم ديبلوماسي للمغرب”، و على أن المبادرة المغربية لن تكون “مفيدة للمغرب ومنطقة الصحراء فقط بل أيضا لمجموع المغرب العربي “.
27/04/2007 : وجه حوالي 170 عضوا بمجلس النواب الأمريكي يمثلون الحزبين الجمهوري و الديمقراطي رسالة الى الرئيس الأمريكي جورج والكر بوش، يطالبونه فيها ب “رعاية ” مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، معتبرين أن هذه المبادرة “واعدة” و”تاريخية” و”مجددة” و””توفر إطارا واقعيا من أجل حل سياسي متفاوض بشأنه” لنزاع الصحراء. وأن مقترح الحكم الذاتي المغربي يشكل فرصة تاريخية بالنسبة للولايات المتحدة من أجل المساعدة على تسوية هذا المشكل وإرساء مستقبل أفضل للمنطقة بأسرها”، مناشدين الرئيس “رعاية هذه المبادرة المغربية الواعدة” حتى تنال التقدير الضروري “للتوصل إلى موافقة دولية على هذه المبادرة”. و أن “المقترح المغربي الجديد يوفر إطارا واقعيا من أجل إيجاد حل سياسي متفاوض بشأنه والذي يظل الوسيلة المثلى لتأمين سلام دائم بالنسبة للأطراف”. مؤكدين أن “للولايات المتحدة مصلحة كبرى في ما يخص الأمن القومي تتعلق باستقرار شمال إفريقيا ورفاهها الاقتصادي”،مضيفين أنه “مع توسيع (تنظيم) القاعدة وجماعات إرهابية أخرى لوجودها في شمال إفريقيا ينتابنا القلق من أن عدم تسوية هذا النزاع المستمر منذ أكثر من30 عاما يشكل تهديدا لأمن الولايات المتحدة والأمن الإقليمي، كما يعرقل الاندماج الاقتصادي لاتحاد المغرب العربي”.
28/06/2007 : تأكيد مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأدنى السيد ديفيد ويلش أن المقترح المغربي للحكم الذاتي، الهادف إلى تسوية نزاع الصحراء، والذي تعتبره واشنطن “جديا ويتمتع بالمصداقية”، يمثل “أساسا جيدا للمفاوضات المباشرة بين الاطراف”.
وقال ويلش في تصريحات أوردها مقال تغطية نشره موقع (يو إس أنفو) على الانترنيت، لوزارة الخارجية الأمريكية، “إننا نعتبر أن المقترح القاضي بمنح حكم ذاتي حقيقي للصحراء الغربية جديا ويتمتع بالمصداقية”، ولاحظ المسؤول الامريكي، خلال جلسة استماع نظمتها لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس حول السياسة الأمريكية بشمال إفريقيا أن المقترح المغربي “يتضمن الكثير من العناصر التي من شأنها اغناء النقاش” مؤكدا أن هذا المقترح يتيح “إمكانية التقدم إلى الامام”.
7/06/2007 : دعا 15 مسؤولا أمريكيا ساميا سابقا الرئيس جورج بوش إلى مواصلة التعاون مع المغرب من أجل تسوية قضية الصحراء، مؤكدين أن التزام المغرب في هذا السياق يستحق دعم المجتمع الدولي.
ودعوا المسؤولون السابقون في رسالتهم، ومن بينهم كاتبة الدولة السابقة مادلين أولبرايت ووزراء الدفاع فراك تشارلز كارلوتشي والتجارة ميكي كانتر والطاقة هازل أوليري، الرئيس الأمريكي، “على مواصلة هذا التعاون في الأشهر المقبلة الحساسة في الوقت الذي ستنطلق فيه المفاوضات” .
واعتبر هؤلاء المسؤولون السامون، الذين شغلوا مناصب خلال أربع فترات رئاسية متتالية سواء الديمقراطية أو الجمهورية، أن عدم تسوية هذه القضية ” يهدد الاستقرار الدولي، و يهدد حربنا ضد الإرهاب ويعرقل جهودنا من أجل الاندماج الاقتصادي في المنطقة “، مبرزين أن “التزام المغرب يستحق دعم المجتمع الدولي”.
وسجلوا أن ” الانخراط الأمريكي كفيل بتوفير إمكانية إيجاد حل لهذه القضية التي طال أمدها وتجديد تأكيد دعمنا لسلم واقعي ودائم بشمال إفريقيا”.وبعد أن أشادوا بالمبادرة المغربية بشأن التفاوض من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا ، التي وصفوها ب” الحل السياسي ذي مصداقية” تأكيدا لما جاء به القرار الاممي 1754, أشار المسؤولون إلى أن ” على جيران المغرب أن يتحملوا مسؤولياتهم ويساهموا في إنجاح هذه المفاوضات”. و ذكروا في رسالتهم، بأن المغرب كان أول بلد يعترف بالولايات المتحدة الأمريكية سنة1777 ، وأن المملكة “حليف تاريخي ومؤتمن” بالنسبة للولايات المتحدة.
(يتبع)