تحل اليوم ذكرى استشهاد القائد المغربي حريرو الحزمري اسبو، الرجل الذي آمن بأن حب الوطن ليس شعارًا يُقال في المناسبات، بل مسيرة حياة تنتهي إمّا بالنصر أو بالشهادة. في زمنٍ كانت فيه رياح الاستعمار تعصف بالشمال المغربي، وقف حريرو الحزمري صلبًا كالجبال التي أنجبته، مؤمنًا بأن الوطن يستحق أن يُفدى بالروح قبل الكلمة، وبالدم قبل الخطب.
لم يكن القائد حريرو رجل بندقية فقط، بل كان صاحب رؤية ورسالة. كان يدرك أن معركة التحرير ليست ضد جنديٍّ أجنبيٍّ فحسب، بل ضد فكرة الاستعباد ذاتها. لذلك كان يسعى إلى بناء وعيٍ وطنيٍّ في النفوس، قبل أن يوجّه رصاصته نحو العدو. في أعالي الجبال وبين الوديان الوعرة، جمع حوله رجالًا صدقوا العهد، وآمنوا بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعًا.
لقد قاد حريرو الحزمري مجموعته بشجاعة نادرة وبإيمان لا يتزعزع، مستمدًّا قوته من عدالة القضية ومن حبّ الناس البسطاء الذين رأوا فيه وجه المغرب المقاوم. كان يتنقّل بين القرى حافي القدمين أحيانًا، يحمل بندقيته القديمة وابتسامته الثابتة، يزرع الأمل في قلوب المقهورين ويذكّرهم أن “الليل مهما طال لا بد أن يعقبه فجر”.
وفي معركةٍ غير متكافئة مع القوات الإسبانية، واجه الشهيد مصيره بشجاعة الأبطال. لم يفرّ، ولم يساوم، ولم يطلب أمانًا. سقط مضرجًا بدمه الطاهر، لكن روحه صعدت لتكتب سطرًا جديدًا في كتاب الوطن. يومها، لم يمت الخزمري، بل وُلد رمزًا. ومنذ ذلك اليوم، صار اسمه مرادفًا للبطولة الصادقة التي لا تبحث عن مجدٍ شخصي، بل عن كرامة وطن.
تمرّ الأعوام، وتتغير الوجوه والأزمنة، لكن ذكرى أمثال خريرو الخزمري تبقى نداءً دائمًا في ضمير الأمة: نداء يذكّرنا أن الوطن لا يُبنى بالمصالح الصغيرة، ولا يُصان بالصمت، بل بالعطاء، بالمواقف، وبالإيمان بأن المغرب كان وسيبقى أرض الأحرار.
واليوم، في زمنٍ تتجدد فيه التحديات، وتشتد فيه حملات التضليل ومحاولات النيل من وحدتنا الترابية، تظل تضحيات القائد حريرو الحزمري نبراسًا يُضيء طريق الأجيال. إن الدفاع عن الصحراء المغربية، وصون الهوية الوطنية الجامعة، ومواجهة دعاة التفرقة، ليست سوى امتداد لمعركة أولئك الأبطال الذين رووا تراب الوطن بدمائهم الطاهرة. فالمعركة تغيّرت أدواتها، لكن جوهرها واحد: الوفاء للوطن، والالتفاف حول ثوابته الراسخة.
رحم الله الشهيد حريرو الحزمري، وجعل من ذكراه بوصلةً تهدي أجيال المغرب نحو الوفاء، والإخلاص، والتشبث بروح المقاومة التي صنعت هذا الوطن العزيز.





