في إنجاز علمي وميداني غير مسبوق، تمكن فريق مغربي مكون من عشرة مغامرين من تحقيق رقم قياسي وطني جديد في مجال الاستكشاف الكهفي، بعدما وصل إلى أعمق نقطة بمغارة تاخوبايت بجبل بوحلة، ضمن جماعة بني دركول الواقعة في المنتزه العالمي “جيو بارك شفشاون”، على عمق بلغ 722 مترًا تحت سطح الأرض.
وقد قاد هذا الفريق الميداني ابن مدينة شفشاون عبد الموغيت الحسناوي، الذي يعد من أبرز الوجوه المغربية في مجال الاستغوار (Speleology) واستكشاف الكهوف والمغارات.
استغرقت الرحلة أزيد من 80 ساعة متواصلة، قُسمت على مرحلتين من الاستكشاف، واجه خلالها الفريق ظروفًا قاسية تتراوح بين الظلام الدامس، والبرودة الشديدة، وصعوبة التنقل في الممرات الضيقة والمنحدرات الصخرية.
وقد تمكن الفريق في نهاية هذه المغامرة من اكتشاف 40 مترًا إضافيًا لم يسبق لأي بعثة أن بلغت عمقها من قبل، وهو ما جعل مغارة تاخوبايت تتربع رسميًا على عرش أعمق مغارة في المغرب.
تعد منطقة شفشاون واحدة من أغنى مناطق شمال المغرب من حيث الكهوف والمغارات الجيولوجية، إذ تشير الدراسات إلى وجود ما يزيد عن 400 مغارة طبيعية، بعضها يمتد لعدة كيلومترات في عمق الجبال الكلسية الممتدة بين بني دركول وتلمبوط.
ويصنف المنتزه العالمي “جيو بارك شفشاون” من بين أبرز الفضاءات الطبيعية التي يمكن أن تشكل نواة للسياحة العلمية والبيئية بالمغرب، بالنظر إلى التنوع الجيولوجي الكبير وتداخل الصخور الرسوبية مع التكوينات الكلسية والمائية النادرة.
ويرى خبراء الجيولوجيا أن هذا النوع من الاستكشافات الميدانية يساهم في توسيع المعرفة بطبقات الأرض ونظم المياه الجوفية، كما أنه يتيح بيانات دقيقة حول تاريخ تشكل الجبال والبنية الجيومورفولوجية للمنطقة.
ويؤكد الباحثون أن مغارة تاخوبايت قد تكون مختبرًا طبيعيًا لدراسة المناخ القديم وتطور النظم البيئية الجبلية بشمال إفريقيا، داعين إلى إشراك الجامعات والمراكز العلمية المغربية في توثيق هذا الإنجاز وتوسيعه نحو بحوث ميدانية مستمرة.
ويضم المغرب مئات الكهوف والمغارات المنتشرة خصوصًا في جبال الريف والأطلس المتوسط، مثل مغارة فريواطو الشهيرة بإقليم تازة التي تمتد لأكثر من 2 كيلومتر، ومغارة الحجرة الكبيرة في جبال بني يزناسن، ومغارات تامدا وتامكة التي تجذب سنويًا عشرات المستكشفين المحليين والأجانب.
وتشير التقديرات إلى أن المغرب يتوفر على أكثر من 1500 مغارة تم رصدها حتى الآن، كثير منها لا يزال ينتظر الدراسة والتصنيف الجيولوجي والسياحي.
إن نجاح فريق عبد الموغيت الحسناوي في الوصول إلى عمق 722 مترًا داخل مغارة تاخوبايت، لا يمثل فقط قفزة نوعية في مجال المغامرة والاستكشاف العلمي، بل يؤكد أيضًا أن المغرب يمتلك كفاءات قادرة على خوض تجارب علمية دقيقة في مجالات الجيولوجيا والبيئة.
إنه إنجاز يكرس اسم شفشاون ليس فقط كمدينة زرقاء ساحرة، بل أيضًا كـ عاصمة مغربية للاستغوار والبحث الجيولوجي.