شهدت سبتة ومليلية خلال السنوات الأخيرة تحوّلاً اقتصادياً ملحوظا. مع تراجع التهريب والتجارة التقليدية مع المغرب وقيود المعابر، باتت المدينتان تستقطبان شركات القمار، وتستفيدان من منظومات حوافز محلية. النمو السريع لهذا القطاع يوفّر وظائف وإيرادات لكنّه يفتح أيضًا بابًا للمخاطر المالية والاجتماعية إذا لم تُرافقه رقابة فعّالة
تُشير تقارير حديثة إلى أن..
سبتة ومليلية مجتمعتين تستحوذان على أكثر من 60% من تراخيص المقامرة الإلكترونية في إسبانيا؛
وسبتة وحدها تمثّل نحو44% من التراخيص الوطنية، بينما تشكّل 80% من فاتورة القطاع وفق بعض التقديرات المحلية، ما يجعل إيرادات هذا النشاط مساهمة ملموسة في اقتصاد سبتة المحلي. كما تُقدَّر مساهمة القطاع في الناتج المحلي لسبتة بعشرات ملايين اليورو سنويًا حسب جريدة الباييس ليوم 14 أكتوبر الجاري من 2025.
على مستوى التشغيل، توفّر شركات المقامرة في سبتة مئات الوظائف مباشرة (المصادر المحلية تشير إلى أرقام تُقارب 821 موظفًا في بعض الشركات المصرّحة)، بينما شهدت مليلية بدورها نموًا في الشركات الرقمية والوظائف المرتبطة بالقطاع.
ثلاثة عناصر رئيسة فسّرت الانتعاش: (1) تراجع التهريب والتجارة التقليدية بسبب قيود المعابر مع المغرب؛ (2) حوافز ضريبية محلية مُنافسة؛ (3) سن شروط مرنة تسمح بتحويل المقارّ القانونية للشركات إلى هاتين المدينتين. تقارير إعلامية وصحفية أبرزت أن التسهيلات تشمل تخفيضات في ضرائب أرباح الشركات، إعفاءات أو تخفيضات في اقتطاعات الضمان الاجتماعي، وحوافز على ضريبة الثروة وضريبة الدخل للأفراد. حسب جريدة الباييس دائما.
غسل الأموال والفراغ الرقابي..
غسل الأموال عبر منصات المقامرة: الطبيعة الرقمية للتعاملات، والتحويلات العابرة للحدود، ووجود شركات بوّابة/واجهة قد تُستخدم لتمرير أموال غير مشروعة وتحويلها لاحقًا إلى «أرباح» تبدو قانونية. تقارير صحفية وتحقيقية أشارت إلى شبهات استغلال بعض شركات اللعب كواجهات مالية. حسب جريدة الإسبانيول. El Español
ضعف التنسيق عبر الحدود: التعقيدات السياسية مع المغرب، وغياب آليات شفافة للتعاون في مسائل متعلقة بمراقبة أموال مواطنين مغاربة أو أصول تمرّ عبر قنوات متصلة بالمدينتين، تُضعف احتمال تتبّع تدفّقاتٍ مشبوهة من خارج المدينتين.
فجوات تنفيذية داخلية: رغم وجود ترسانة قانونية إسبانية لمكافحة غسل الأموال، تواجه الآليات الرقابية محليًا تحديات تنفيذية (نقص موارد متخصّصة، صعوبات في مراقبة هـياكل الدفع الرقمية وتعقيدات الشركات متعددة الجنسيات) حسب جريدة الباييس في تقريرها عن الموضوع يوم 14 أكتوبر الجاري.
آثار اجتماعية وصحية: ارتفاع الاعتماد على قطاع القمار قد يزيد من مخاطر الإدمان المالي وبروز مشكلات اجتماعية في مُدُن تعاني أصلًا من بطالة شبابية.
يخضع نشاط المقامرة القانوني في إسبانيا لرقابة DGOJ (المؤسسةالوطنية المنظمة لتجارة القمار)، كما تخضع الشركات لقوانين مكافحة غسل الأموال الإسبانية والأوروبية. لكن التطبيق العملي يتطلّب قدرات فنية متقدمة للتعامل مع بيانات الدفع الرقمي والإنفاق عبر الحدود.
من جهة المغرب، الوضع معقّد بسبب اعتبار الرباط للمدينتين كمدن محتلة ومتنازع عليها؛ هذا السياق السياسي يعقّد أي تعاون رسمي شامل في المسائل الحسّاسة المتعلقة بالتحقيق المالي أو تبادل معلومات المكافحة.
التحوّل الاقتصادي لسبتة ومليلية نحو قطاع القِمار هو حلّ قصير إلى متوسط الأجل للفراغٍ الناتج عن تراجع التجارة التقليدية، وتجارة التهريب بالخصوص، لكنه يحمل مخاطر مالية واجتماعية حقيقية إن لم تُدعمه الرقابة الوطنية والدولية.
تحقيق التوازن بين تطوير الاقتصاد المحلي وحماية النظام المالي والمجتمع يحتاج سياسات ضريبية منقّحة، شفافية مؤسسية، وتعاون رقابي حتى في سياق التوترات السياسية الإقليمية.
ختاما، تظلّ أسئلة كثيرة مفتوحة حول الدوافع العميقة وراء هذا التحوّل الاقتصادي اللافت في سبتة ومليلية.
هل توجيه النشاط نحو اقتصاد المقامرة خيارًا استراتيجيًا مدروسًا من مدريد، يهدف إلى تعويض خسائر التهريب وخلق بدائل مالية داخلية؟ أم أنّه في جوهره حلّ ظرفيّ فرضته إكراهات محلية مرتبطة بالبطالة وتراجع النشاط التجاري؟
هل يعكس هذا المسار تحوّلًا في مقاربة الدولة الإسبانية لملف المدينتين في ظلّ الجمود السياسي مع الرباط، وربما محاولة غير مباشرة لـ«تحصين» الحضور الإسباني اقتصاديًا وإداريًا في المنطقتين؟
أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون نتاجًا لتفاعلٍ اقتصادي داخلي تحكمه اعتبارات الاستثمار والضرائب والمرونة القانونية، أكثر من كونه جزءًا من مخططٍ جيوسياسي أوسع؟
مهما يكن الجواب، فإنّ سبتة ومليلية تقفان اليوم على مفترق طرق بين استثمار التحوّل الرقمي لتعزيز استقلال اقتصادي حقيقي، أو الانزلاق إلى اعتمادٍ مفرط على قطاع القمار المحفوف بالمخاطر، والذي يهدد بإرباك التوازن الاجتماعي والمالي في المدى المتوسط والبعيد.
بعض المراجع والمصادر المُعتمدة.