يثير الغياب المفاجئ للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن المشهد السياسي جدلاً واسعاً، بعد أن اكتفى بتوجيه رسالة مكتوبة للشعب في 19 غشت الجاري بمناسبة اليوم الوطني للمجاهد، من دون أي ظهور علني بالصوت أو الصورة. غياب غير مفسَّر رسمياً فتح الباب أمام موجة من التكهنات، تراوحت بين الحديث عن عطلة خاصة أو رحلة علاجية في ألمانيا، وبين فرضية أكثر حساسية تتعلق بوجود صراع داخل دوائر السلطة.
البيانات الرسمية التي تتحدث عن متابعة الرئيس لعمله من الجزائر لم تُقنع الشارع، الذي بات يطالب بدليل مرئي يقطع الشكوك. ومع غياب الشفافية، وجدت الشائعات طريقها سريعاً إلى الرأي العام: البعض يقول إن تبون خارج البلاد، وآخرون يرون أن المؤسسة العسكرية بصدد إعادة ترتيب المشهد السياسي عبر ما وُصف بـ”انقلاب ناعم”.
ذاكرة الجزائريين مثقلة بتجربة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، الذي استمر في الحكم لسنوات رغم عجزه الصحي، تاركاً السلطة في يد دائرة ضيقة من المقربين. واليوم، ومع غياب تبون غير المبرر، تتجدد المخاوف من تكرار سيناريو “الرئيس الغائب” الذي يُستعمل واجهة بينما تُدار الدولة من خلف الستار.
المعضلة الحقيقية لا ترتبط بشخص تبون بقدر ما تكشف أزمة ثقة بين المجتمع والسلطة. فالنظام الجزائري اعتاد إدارة الأزمات بمنطق التعتيم، وهو ما يغذي الشائعات ويضعف مصداقية المؤسسات. في ظرف اقتصادي واجتماعي حساس، يحتاج الجزائريون إلى قيادة حاضرة وقرارات واضحة، لا إلى غياب يزيد ارتباك المشهد.
غياب الرؤساء أو تراجع أدوارهم لم يكن في المنطقة حدثاً عادياً. ففي تونس أدى مرض ووفاة الباجي قايد السبسي سنة 2019 إلى انتقال سياسي مفاجئ، وفي مصر تراجع دور حسني مبارك بسبب المرض عجّل بتحرك المؤسسة العسكرية لفرض انتقال مضبوط. هذه التجارب تؤكد أن غياب الرئيس في أنظمة قائمة على شخصنة السلطة غالباً ما يمهّد لإعادة تشكيل موازين النفوذ.
سواء كان غياب تبون عطلة خاصة أو نتيجة وضع صحي، فإن الأكيد أنه يعكس مأزقاً أعمق تعيشه السلطة الجزائرية: أزمة شفافية وشرعية. وبين الشائعات عن انقلاب ناعم وحقيقة صمت الرئاسة، يبقى السؤال مطروحاً: من يحكم الجزائر فعلياً في هذه اللحظة الحرجة؟