Web Analytics
غير مصنف

غزة تُذبح.. متى سيُكَسِّر نواب الأمة صمتهم؟

عبد الحميد البجوقي

مهزلة كونية ! ربما، عبث الأقدار ! لا هذا ولا ذاك ، هي اختيارات نُخَب فقدت بوصلتها وعلاقتها بالزمن والمكان، والانتماء. حرب الإبادة مستمرة في غزة، القتل والتجويع مستمرين رغم تعالي أصوات في الغرب تُدين وتُندد، لم يسبق للعالم أن تَعبَّأ كما يفعل الآن دفاعا عن شعب يُذبح علنا وعلى المُباشر.

الذي أثارني ولطمني بقوة ما أتابعه عن برلمانات الغرب التي اكتشفت ـ على الأقل ـ فجأة أنّ الضمير ليس سلعة موسمية، أتابع كيف يقف نواب الشعوب الغربية على أقدامهم في جلسات برلمانية طارئة، يهتفون، يحتجون، ويرفعون صور أطفال غزّة بملامحهم الممزقة على أوراق بيضاء، وكأنها تُصِرُّ على أن تُرِي العالم أنّ الكلمة قد تصبح أحياناً أثقل من الرصاصة.

في باريس، في برلين، في بروكسل، في مدريد، وحتى في بعض القاعات المكيّفة بواشنطن، تحوّلت المقاعد الوثيرة إلى منصّات صرخة، تُذكّرنا بأن السياسة يمكن أن تذرف دمعة ولو لمرة واحدة.

لكن، لنتحوّل شرقاً قليلاً… هناك حيث يُفترض أن يكون الدم أقرب إلى الدم، والجرح أوضح من أن يُنكَر. فجأة يصبح البرلمان أشبه بمتحف للصمت، تتكدّس فيه الكلمات الممنوعة، والضمائر المستوردة لم تصل بعد عبر الميناء. نواب يطالعون أوراق الجلسة كما لو كانت قائمة مأكولات، يوزّعون الابتسامات، ويتدرّبون على فنّ التصفيق الإجرائي. لا صور لأطفال غزّة، لا هتافات، لا حتى محاولة تمثيلٍ باهت. صمت… صمت يلمع كزجاج نوافذ بلاستيكية مُحْكمة الإغلاق.

أهكذا يُختصر المشهد؟ الغرب يرفع صور الضحايا ليُبيض صحائفه، والشرق يطوي الصور في الأدراج كي لا يقال إنّه “تجرّأ”. وكأنّ فلسطين قدرٌ محجوز في خانة الخطابات الرسمية، لا في خانة الأحياء الذين يصرخون.

أي مفارقة أليمة هذه! هناك تضامن من وراء البحار، حتى وإن كان مشوباً بالبراغماتية والرياء، وهنا صمت من أصحاب القربى، حتى وإن كان مشوباً بالخوف واللامبالاة.

هكذا يُفضَح العجز، لا في جبهات الحرب فقط، بل في قاعات البرلمان أيضاً.

ماذا عن برلمانات “الأشقاء”!، لا لافتة ارتفعت، ولا نائب انسحب، ولا جلسة تعطّلت لتقول ـ ولو رمزياً ـ إنّ فلسطين ليست خبراً عابراً. لا نائبٌ قاطع جدول الأعمال، ولا حزبٌ خاطب ذاكرة الناس بما يليق بدماء غزّة. كلّ شيء يسير كما لو أنّ المجازر خلف شاشة بعيدة، كأنّها فيلم طويل مكرّر لا يستحق حتى كلمة اعتراض.

حيث كان يُفترض أن يكون الصوت أعلى، يخفت حتى العدم؛ وحيث كان الصمت مفهوماً، ينكسر فجأة ليعلن تضامنه. أي عبث هذا؟ كأنّ فلسطين خُصّص لها في الشرق مساحة يتيمة في النشرات الرسميّة، بينما في الغرب تجد ـ ولو متأخّراً ـ مكاناً في القلوب واللافتات.

الشعوب تتحرك بما تستطيع ،الدم يسيل على أرض غزة، وشعبها يُذبح بالتقسيط ، بينما الكراسي الوثيرة في برلماناتنا تواصل دورتها العادية بلا ارتباك. ماذا بعد..

زر الذهاب إلى الأعلى