Web Analytics
مقالات الرأي

المدن التاريخية بين الأزمة والفرصة: تطوان نموذجا

د. فادي وكيلي العسراوي

تعتبر المدن التاريخية ذات الهوية الثقافية العريقة فضاءات تحمل إمكانات اقتصادية غير مستغلة، ورغم ما تملكه من رصيد حضاري وإنساني، فإنها اليوم تواجه تحديات كبرى من بطالة وهشاشة اقتصادية وتفشي ظواهر اجتماعية خطيرة كالهجرة السرية، المخدرات والانتحار بين صفوف الشباب.

د. فادي وكيلي العسراوي

إن تجاوز هذه الوضعية يتطلب إعادة تعريف هوية اقتصادية واضحة لهذه المدن، عبر التوجه نحو الصناعة الثقافية والإبداعية باعتبارها مدخلًا أساسيا لاقتصاد اجتماعي ودائم. فالثقافة ليست عبئا على ميزانيات الدولة والجماعات الترابية، بل يمكن أن تتحول إلى مصدر جاذبية للاستثمار وفرص الشغل، شرط توفير بيئة ملائمة من حيث الأمن، البنية التحتية، والتسويق الذكي للمنتوج الثقافي.

تطوان: مدينة عريقة تعاني هشاشة اقتصادية

رغم مكانتها كعاصمة للثقافة والفنون، تعيش تطوان أزمة اقتصادية خانقة، حيث تعتمد ساكنتها بشكل كبير على تحويلات الجالية المغربية بالخارج، أو على المهن الموسمية المرتبطة بالسياحة الصيفية في المضيق الفنيدق، بينما يظل إقليم تطوان نفسه ضعيف الاستثمار ومفتقدًا لهوية اقتصادية واضحة تغري المستثمرين.

هذا الوضع جعل المدينة تائهة بين استثمارات عقارية كلاسيكية لا تترك أثرا اجتماعيا طويل الأمد، وبين غياب مشاريع حقيقية قادرة على تحريك عجلة التنمية المستدامة.

نحو نموذج اقتصادي قائم على الثقافة

إن توجيه الاستثمار نحو الصناعة الثقافية (التراث، الفنون، الحرف التقليدية، المهرجانات، السينما، السياحة الثقافية..) كفيل بخلق قيمة اقتصادية مضافة، وتحويل المدن التاريخية إلى وجهات عالمية مثل ما وقع في عدد من المدن الأوروبية والأمريكية اللاتينية التي استطاعت أن تعيد إحياء اقتصادها عبر الثقافة.

لكي لا تتحول مدننا التاريخية إلى فضاءات طاردة لشبابها، وجب اعتماد عقليات تدبير جديدة تضع الثقافة في قلب التنمية، بعيدًا عن منطق العقار القصير المدى، وبمنظور استراتيجي يربط بين الهوية، الاستثمار، والتنمية البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى