في زمن صار فيه “البابوش” سيد الأرصفة، و”الحمص والبطاطا المسلوقة” عنواناً للغزو الشعبي، تئنّ المدينة القديمة بأصيلة تحت وطأة فوضى غير مسبوقة، تكاد تفقدها هيبتها التاريخية وسحرها المعماري والثقافي، وتحولها إلى ساحة للباعة العشوائيين و”مولات القفف”، الذين استباحوا كل شبر في وضح النهار، دون رادع أو حسيب.
المدينة القديمة، التي كانت في عهد الرئيس الراحل محمد بن عيسى محروسة ولها هيبتها، تحوّلت اليوم إلى مسرح مفتوح لـ”من هب ودب”، يعرض فيها الجميع كل شيء، من الملابس المستعملة إلى “الدلاح” والبصل، وكأننا في سوق أسبوعي منسي، لا في معلمة تراثية كانت قبلة للفنانين والمثقفين.
فأين هي السلطات المنتخبة والمحلية؟أين أعين باشا المدينة من كل هذه الفوضى؟ أين هو المجلس الجماعي الذي يسمح بهتك تاريخ المدينة ؟ ولماذا لم يتم تفعيل الشرطة الإدارية؟ هل تحوّلت المدينة القديمة، بعد خمسة أشهر من وفاة الرئيس الراحل إلى ملاذ لكل من أراد أن يبني “عشه” فوق الرصيف؟ وهل صار الملك العام مباحاً لكل من جرّ عربة أو فرش “كاشة”؟ أسئلة عديدة تفرض نفسها بقوة، خصوصا ان والى جهة طنجة تطوان الحسيمة كان واضحا في قراراته التي تخص تحرير الملك العمومي، فهل هو تمرد معلم على قراره؟
هل أصبحت كل من السلطات المحلية والمناهبة تائهة بين مجاملة البعض وتخوف من “لوبيات الفوضى” الذين باتوا يتحكمون في الشارع بأريحية مطلقة؟إن التهاون مع هذه الفوضى ليس مجرد خطأ إداري، بل جريمة حضرية في حق ذاكرة أصيلة وتاريخها.
منذ رحيل الرئيس الذي كان يوصف قيد حياته بالرئيس الأبدي، والحي التاريخي يفقد شيئا من كرامته كل يوم. لا احترام للمكان، لا تقدير لقيمته الرمزية. جدران تئن تحت وقع أقدام الباعة، وأزقة ضاقت بأنفاس الزائرين الذين يفرّون من روائح الشواء والدخان، لا لشيء إلا لأن السلطة فضّلت النوم في العسل.
ففي ظل ما يقع بأصيلة وامام الفوضى المنظمة وعدم تحمل الجهات المعنية مسؤوليتها هل يتدخل السيد الوالي لايجاد حل هاته الاهانة التي نعيشها مدينة أصيلة .
ان ساكنة أصيلة اليوم يجب ان تتحمل مسؤوليتها التاريخية لفضح كل متهاون تعاون في القيام بواجبه، فنحن اليوم أمام جريمة متكاملة الاركان، وقيام السلطات لتحرير الملك العمومي يعتبر من اهم واجباتها.