تحرير الشاطئ يعيد البريق لعروس الشمال
على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وفي قلب شمال المغرب، تتربع مدينة مرتيل كجوهرة ساحلية لطالما أسرت القلوب بجمالها الهادئ وسحر مياهها الزرقاء الصافية. على بعد 10 كيلومترات فقط من تطوان، وبامتداد شاطئي يبلغ حوالي 8 كيلومترات، ظلت مرتيل لعقود واحدة من الوجهات السياحية المفضلة للزوار من داخل المغرب وخارجه، لاسيما خلال موسم الصيف.
في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من شهرتها المتزايدة، بدأت ملامح الفوضى تشوه وجه مرتيل. من انتشار المظلات والكراسي بشكل عشوائي على الشاطئ، إلى هيمنة “لوبيات الكراء” الذين احتكروا الفضاءات العمومية، مرورا بتكدس النفايات، والفوضى المرورية، والاستغلال العشوائي للمصطافين في مواقف السيارات وعلى مستوى تسعيرة سيارات الأجرة.. كلها عوامل تسببت في انطباع سلبي لدى عدد من الزوار، الذين شعروا أن المدينة تفقد تدريجياً هويتها كملاذ صيفي آمن ومنظم.
“كنت أظن أني سأقضي عطلة هادئة، فإذا بي أجد نفسي وسط باركينغ كبير وفوضى في كل مكان”، يقول حسن، أحد الزوار القادمين من مدينة فاس. ويضيف: “أسعار التنقل ارتفعت دون مبرر، ورجال الحراسة يحتلون كل شارع وزقاق، ولا وجود لأي رقابة”.
هذا الغضب الشعبي الواسع لم يمر مرور الكرام. فمع بداية صيف 2025، شهدت مرتيل تحولا جذريًا بفضل تدخل حازم ومباشر من السلطات المحلية، التي أطلقت حملة واسعة لتحرير الشاطئ والكورنيش من جميع مظاهر الفوضى والعشوائية.
تحرير الشاطئ: عودة الروح
بتعليمات من عمالة المضيق-الفنيدق، وبإشراف مباشر من رجال السلطة المحلية وعناصر الأمن، تم تنظيم الشاطئ بطريقة غير مسبوقة. اختفت المظلات والكراسي العشوائية، وتم إخلاء الكورنيش من الباعة المتجولين الذين كانوا يحتلون الفضاء العمومي، وتم إعادة هيكلة مواقف السيارات وتحديد أسعارها، مع مراقبة صارمة لأسعار سيارات الأجرة.
اليوم، تسير في كورنيش مرتيل فترى عائلات تستمتع بهدوء، وأطفالًا يلهون في فضاءات نظيفة وآمنة، وزوارًا من مختلف الأعمار يشيدون بالتحول النوعي الذي شهدته المدينة هذا الصيف. حتى رائحة البحر باتت أنقى، وأصوات الباعة التي كانت تزعج راحة المصطافين، أصبحت جزءًا من الماضي.
في حديثه لـ”شمال بوست”، قال أحد أرباب المقاهي المطلة على الشاطئ: “لم نشهد مثل هذا الصيف منذ سنوات، التنظيم أعاد الثقة في مرتيل، والحركة السياحية انتعشت من جديد”.
مرتيل تستعيد مجدها السياحي
هذا التدخل الصارم لم يُعد فقط النظام إلى شاطئ مرتيل، بل ساهم في تعزيز مكانتها كأفضل وجهة بحرية في شمال المغرب. فنادق المدينة تسجل نسب حجز مرتفعة، والمقاهي والمطاعم تعرف إقبالاً كبيرًا، والأسواق تعج بالزوار من مختلف المدن المغربية ومن الجالية المقيمة بالخارج.
يتحدث أحد الزوار القادمين من هولندا قائلاً: “كنا نختار وجهات أخرى في السنوات الماضية، لكن هذه السنة عدنا إلى مرتيل، ووجدناها مختلفة تماماً. التنظيم ممتاز، والشاطئ نظيف وآمن”.
ووسط هذا التحول الإيجابي، تتجه الأنظار إلى المستقبل: هل تنجح السلطات في جعل هذا التنظيم نهجًا دائمًا، أم أنه مجرد استثناء موسمي؟ سؤال يطرحه الكثيرون، لكن المؤكد أن مرتيل، في صيف 2025، استعادت مجدها وبهاءها كعروس شواطئ الشمال، وجعلت من نفسها نموذجًا في كيفية إنقاذ السياحة الداخلية من براثن الفوضى والعشوائية.