سبع سنوات من الوعود.. وأفق الإقليم يضيق
رغم مرور أكثر من سبع سنوات على تولّي ياسين جاري منصب مسؤولية الإدارة الترابية على رأس عمالة المضيق-الفنيدق ومرتيل، لا تزال المنطقة غارقة في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، تتجلى مظاهرها في البطالة المستشرية، وتراجع النشاط التجاري، وارتفاع معدلات الهجرة السرية، وفشل مشاريع البدائل الاقتصادية المعلنة عقب إغلاق معبر باب سبتة المحتلة سنة 2020.
تُطرح اليوم أسئلة جدّية حول مدى نجاح هذا المسؤول الترابي في ترجمة التعليمات المركزية إلى برامج فعالة، والقدرة على تعبئة الموارد والمؤسسات لتجاوز هذا الوضع المعقّد، خاصة أن المنطقة تتوفر على موقع استراتيجي، ومؤهلات سياحية هائلة، وظلت إلى وقت قريب من أكثر المناطق حيوية في شمال المغرب.
وعود كثيرة.. نتائج باهتة
عند إغلاق معبر باب سبتة، أُعلن عن مخطط استعجالي لإعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي للإقليم. ومن ضمن المشاريع التي راهنت عليها الدولة، برزت منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، التي كان يفترض أن توفر بديلاً كريماً لممتهني التهريب المعيشي.
لكن، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، لا تزال الحصيلة ضعيفة ومخيبة للآمال:
- عدد الشركات المستقرة في المنطقة الاقتصادية لا يتجاوز 70 مقاولة، أغلبها ذات طابع تجاري محدود.
- فرص الشغل المحدثة لم تتجاوز 500 منصب، في حين فقد أكثر من 10000 شخص مصدر رزقهم بعد إغلاق المعبر.
- برامج التشغيل والتكوين (مثل “فرصة” و”أوراش”) لم تحقق سوى إدماج حوالي 1000 مستفيد منذ 2022، وسط استمرار بطالة تتجاوز 35% في صفوف الشباب.
- المشاريع المهيكلة المبرمجة ضمن البرنامج الجهوي التنموي لم تتجاوز 3% من إجمالي المشاريع المصادق عليها بجهة طنجة تطوان الحسيمة.
- تنظيم حوالي 50 احتجاج وتظاهرة غاضبة منذ 2021 ضد البطالة والفقراء والتهميش…
شباب بدون أفق.. والهجرة إلى سبتة المحتلة تزداد
في ظل انسداد الأفق الاجتماعي والاقتصادي، سجلت ظاهرة الهجرة السرية تصاعداً مقلقاً، حيث تحوّل عدد كبير من أبناء الفنيدق والمضيق إلى الرقم الأكبر بين المهاجرين غير النظاميين نحو سبتة.
تشير شهادات حقوقية وتقارير أمنية إلى أن نسبة كبيرة من الموقوفين أو المرحلين من الثغر المحتل هم من أبناء الإقليم، بينهم قاصرون ونساء وشباب جامعيون.
وقد تزايدت عمليات الهجرة عبر البحر أو عن طريق اقتحام السياج الحدودي، انطلاقاً من شواطئ بليونش والمضيق، وهو ما يعكس عمق الأزمة وفشل السياسات المحلية في توفير بدائل حقيقية.
يقول “سفيان” (19 سنة)، من حي بوزغلال بالفنيدق:
“سبتة أقرب من الرباط، والموت في البحر ولا حياة بلا كرامة.. لا فرص، لا مشروع، لا شغل”.
ازدواجية في تطبيق القانون: “مكيالان” داخل لجان العمالة
من أبرز مظاهر العجز المؤسساتي الذي تُتّهم به السلطات الإقليمية، وعلى رأسها العامل، التمييز في تطبيق القانون من طرف اللجان الاقتصادية والصحية، التابعة للعمالة.
ففي الوقت الذي يُفترض أن تشتغل هذه اللجان بحياد تام في مراقبة المشاريع وضمان احترام الشروط القانونية، تُسجل ممارسات انتقائية ومشبوهة، حيث يُغض الطرف عن مشاريع تعود لنافذين أو مقربين من دوائر القرار، في مقابل استهداف ممنهج لصغار المستثمرين وشباب المدينة.
نموذج مدينة الملاهي بمرتيل، التي شهدت حادثة مأساوية خلال هذا الصيف إثر سقوط آلة ألعاب وإصابة أشخاص، يُظهر بوضوح هذا الخلل:
فلم تبادر أي لجنة لفتح تحقيق جاد أو تحديد المسؤوليات، بينما مرّ الحادث في صمت تام، دون محاسبة.
في المقابل، تتوالى زيارات لجان المراقبة لمحلات صغيرة ومقاهٍ يديرها شباب بمجهوداتهم الخاصة، حيث يتم تشديد الخناق الإداري وفرض الشروط بشكل انتقائي.
تقول “أمينة”، صاحبة مقهى بمرتيل:
“اللجنة زارتني 5 مرات هذا الصيف، وكل مرة بوثيقة جديدة. بينما مشاريع كبرى لا يسألهم أحد، وكأن القانون يُطبق فقط على الفقراء”.
مسؤول عن ألعاب مائية يصرح “تكلمنا رخصتنا بشكل قانوني بعد أداء جميع المصاريف الضريبية والالتزام بدفتر التحملات، لكن قبل الافتتاح كان للجنة رأي آخر بدعوى أن البالونات المائية غير صالحة.. وهو ما أثبتنا عدم صحته بتقرير معتمد من مكتب دراسات… لكن طارت معزة الألعاب المائية غير صالحة وتذهب الخبرة المعتمدة إلى الجحيم، في النهاية تم سحب الرخصة وبقينا لا مشروع لا استثمار وفوق ذلك خسرنا مصاريف الضرائب والمالية وتكاليف الرخصة والخبرة…” يضيف متسائل “يمكن ما فهمناشي راسنا أو هناك من ضايقته منافستنا”
غياب الانفتاح وانعدام التنسيق
في تقييم شامل للمشهد العام، يتهم فاعلون مدنيون ومسؤولون جماعيون العامل ياسين جاري بـ”الانغلاق” في تدبير الملفات الكبرى، وضعف التنسيق مع المنتخبين والمجتمع المدني، واعتماد مقاربة فوقية بدل التشاركية، ما أدى إلى فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات.
كما يُنتقد غياب رؤية اقتصادية شاملة طويلة الأمد، تُحوّل المؤهلات الطبيعية والسياحية إلى ثروة منتجة، بدل الارتهان لمواسم الصيف والترويج السياحي الظرفي.
أمام هذا الواقع المتأزم، يبدو أن الحديث عن “تنمية إقليمية” في المضيق الفنيدق بات أقرب إلى الشعار منه إلى السياسة العمومية. فالأرقام لا تُكذّب، والاحتجاجات تتجدد، والهجرة تستمر، والمشاريع تراوح مكانها، ما يطرح سؤالًا واضحًا: هل يظل العامل ياسين جاري الرجل المناسب في المكان الخطأ؟
في ظل بوادر حركية جديدة مرتقبة في الإدارة الترابية، يأمل السكان أن تُفتح صفحة جديدة في تدبير المنطقة، تُعيد الاعتبار للمواطن والشفافية والمحاسبة، لأن الزمن التنموي لا ينتظر أحدًا، والإقليم لا يملك ترف سنوات أخرى من الارتجال والانتظار.