في كل سنة، ومع اقتراب الذكرى المجيدة لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه المنعمين، تتحوّل تطوان إلى فضاء مفتوح على الوطن، مدينة تتوشّح بالجمال وتفيض بالرمز، ويعلو فيها نبض المغرب الواحد، من طنجة إلى الكويرة. ليست المناسبة عابرة، ولا المشهد طقسا بروتوكوليا فحسب، بل هو إعلان وجداني، ودرس في الوطنية المتجذرة، تُسطّره تطوان بخصوصيتها التاريخية، وبدفء أهلها، وبما تحمله من رصيد في ذاكرة الدولة والمجتمع.
تطوان، المدينة الواقعة بين الجبل والبحر، لم تكن يوما على هامش المسار الوطني، بل شكّلت جزء أصيلا في بناء الكيان المغربي الحديث. فهنا، وتحديدا في سنة 1956، ألقى جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه خطابه التاريخي الشهير بعد عودته من المنفى، معلنا نهاية عهد الاستعمار، وبداية عهد الحرية والاستقلال، في لحظة ظلّت محفورة في ذاكرة الأمة، تُستحضر كمرجعية في كل مناسبة وطنية كبرى. تطوان، التي كانت في تلك المرحلة عاصمة المنطقة الخليفية تحت الحماية الإسبانية، صارت عبر هذا الخطاب رمزا لوحدة البلاد بعد أن تفرّقت إدارتها، وجسرا للانتقال من التفرقة الاستعمارية إلى السيادة الوطنية الموحدة.
ومع توالي العقود، ظلت تطوان، في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه، تحافظ على مكانتها الاستراتيجية، ثم جاء عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي طور مكانتها الريادية والاشعاعية، فازداد حضور المدينة إشراقا وعمقا، إذ صارت ملتقى سنويا لمناسبات وطنية كبرى، ومساحة لإعطاء الانطلاقة لمبادرات استراتيجية في شتى المجالات. لكن يبقى أهم ما يميز تطوان، ويفردها عن غيرها من مدن المملكة، هو ذاك التعلق العميق والمتجذر لدى ساكنتها بأهداب العرش العلوي المجيد. هنا، لا يُنظر إلى الملكية فقط من منظور سياسي أو دستوري، بل من منظور روحي، وجداني، هوياتي، يُرى فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله امتدادا لتاريخ من البيعة المتواصلة، وضمانا للوحدة، وصمّام أمان للاستقرار، ومرجعية أخلاقية وقانونية لحياة جماعية متجانسة.
ومع حلول عيد العرش المجيد، تنبعث من تطوان روح خاصة، تمتزج فيها الزينة بالفرحة، ويعلو النشيد الوطني في الساحات، وتُقام العروض والأنشطة الثقافية والتراثية، وتستعد المؤسسات العمومية لمواكبة الاحتفالات بكل ما تقتضيه من تنظيم وانضباط. وتُفتح أبواب المدينة لاستقبال الوفود والزوار من مختلف أنحاء المملكة والعالم، في مشهد يعكس انفتاح تطوان وتاريخها كمحطة عبور ولقاء، مدينة استقبلت عبر قرون الأندلسيين والمجاهدين والدبلوماسيين والمثقفين، وها هي اليوم تستقبل أبناء الوطن في أبهى صورة وطنية جامعة.
وتبلغ هذه اللحظة الوطنية أوجها خلال حفل الولاء، وهو من أكثر المشاهد رمزا وأهمية في الوجدان المغربي. ففي هذا اليوم المهيب، تتحول تطوان إلى مسرح للوحدة الوطنية في أجلى صورها، حين تحتضن ممثلي جهات المملكة كافة، القادمين من الجنوب والشمال، من السهول والجبال، من المدن والبوادي، بلباسهم التقليدي الموحّد، وبقلوبهم الخافقة بالحب والولاء، يقفون في نظام بديع، تحت أشعة شمس الوطن، ليجددوا بيعتهم الجماعية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في لوحة بشرية فريدة، تختصر كل تاريخ المغرب في لحظة واحدة: لحظة ولاء مستمر، ووفاء لا ينقطع، وتلاحم لا يتزحزح.
ليس حفل الولاء مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تعبير عن عبقرية النظام المغربي في صون الوحدة داخل التنوع، وعن استمرار البيعة كأحد أرقى أشكال الرباط بين الملك والشعب. وهو كذلك مناسبة لتأكيد أن العرش في المغرب ليس حاكما فقط، بل رمزا للأمة، ومعبّرا عن روحها، وراعيا لمسارها، وتطوان، وهي تحتضن هذا الحدث الوطني الكبير، تتجاوز دورها الجغرافي لتصبح فضاء للذاكرة، ومنصة للعبور نحو المستقبل، بما تحمله من تراكم حضاري، وثقل رمزي، وحب أصيل للعرش والوطن.
في خضم هذا المشهد الباذخ، تواصل تطوان انخراطها في الورش الوطني الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عبر دينامية تنموية شاملة، تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تنمية تتغذى من التوجيهات الملكية السامية، وتنطلق من رؤية تجعل من الإنسان مركزا لكل إصلاح، ومن الكرامة أساسا لكل مشروع. وهكذا، تكتسب المناسبة بُعدا آخر: فكما يتم فيها تجديد البيعة، يتم فيها أيضا تجديد العهد على مواصلة البناء، وتعميق الانتماء، وترسيخ قيم المواطنة.
تطوان، وهي تحتفل بعيد العرش المجيد، تحتفل أيضا بذاتها، بتاريخها، وبدورها الوطني الثابت. تستقبل الوطن كله على ترابها، وتعلن من جديد أنها مدينة الوفاء، عاصمة البيعة، حاضرة الهوية، وفضاء مفتوح لوطن لا تنكسر فيه الروابط، ولا تنقطع فيه المحبة، ولا تنطفئ فيه شعلة الانتماء. في تطوان، تُقال البيعة بالقلب، وتُحتفل بالعرش بالعقل والوجدان، ويُعلن المغرب من خلالها، مرة أخرى، أن وحدته في تعدده، وقوته في ولائه، واستمراره في إخلاص شعبه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، رمز الأمة، وضامن استقرارها، وقائد نهضتها.