Web Analytics
مقالات الرأي

نجيب طلال يكتب:هوية المسرح الحساني

    نجيب طــلال

 

الظـل والآخـر:

 

كثيرة هي البحوث والدراسات القيمة، التي أنتجتها فعاليات مختصة في مجالها، وعاشقة له. ولكن شبه مقبورة ومقصية إما السبب في ذاتيها أم ذاتية الآخر؟ بمعنى: هل هي أرادت طواعية أن تعيش في الظل بدل البهرجة ؟ تلك رؤية وتموقف يحترم. من باب الحريات الفردية لها أحقيتها الهروب من مواقع الأضواء، أو الهرولة  والتهافت نحوها

في تقديري المتواضع : فالأضواء عندنا مرحلية ، وقتية  تم تصبح فيما بعد مجرد فقاعات. ومجرد محطات لصراع اللوبيات، مما الآخر(ع) يقصي الآخر(س) خوفا من مزاحمته والتفوق عليه؟ وظاهرة الإقصاء والتهميش أمست جزء من ثقافتنا ، لكن هاته المرة وهنا أشير بأن ( الإقصاء) تلك حالة مرضية، سببها الوسواس القهري في شقة “رهاب البشر” ولا داعي لتقديم استئناس ، لأن هنالك المئات من المراجع  حول( الوسواس القهري ) المرتبط بالاضطرابات النفسية والقلق. الذي عمقه وسببه ضعف الشخصية، وضعف التكوين المعرفي !  وما أكثر هذا المظهر، والساحة الثقافية والفكرية شاهـدة على ذلك ولاسيما أن المشهد “محلف” بشهود. لحد الآن يخجلون من أنفسهم ومن البوح، لكن البوادر أمست  بانكشاف[ بعضا] من أوراق الشواهـد والديبلومات (…) ومدعاة كل هذا ، تولد حينما وقع نظري على موضوع :توظيف التراث الشعبي في المسرح الحساني(1) للصديق والأستاذ “ميلود بوشايد” نموذج من النماذج التي بدورها تتوارى وراء الظل. ولاسيما أنه متمكن من  الحسانية ممارسة ولهجة وثقافة، نتيجة عـوامل أسرية. بحيث الثقافة الحسانية في تركيبتها ترتكز على التقوى والتسامح والتعاون المجتمعي، قبل اللهجة. لكن في مهرجان المسرح الحساني، لا نلمس هـذا من خلال استدعاء من له دراية بالثقافة الحسانية، وهـذا ليس توجيه  لأصحاب مهرجان المسرح الحساني سواء بكلميم أو العيون أو الداخلة أو طنطان… بقدر ماهي ملاحظة ليس إلا. جوانيتها سؤال نؤجل طرحه؟ وبالتالي فمبحث الباحث” بوشايد” يشيربأن المسرح الحساني” وثيقة ثقافية تحكي سيرة الثقافة الصحراوية باعتبارها نسقا يجمع بين المادي واللامادي ، بين الشفوي والمكتوب ، بين المسموع والمرئي، وكل ما يرتبط بالسلوك والطقوس والعادات والمعمار والملابس والفرجة الشعبية ، وبمظاهـر الحياة العامة في البيئة الصحراوية (2) بالتأكيد فالمسرح في بـعْـده الأعـم

يجمع في أحشائه كل المظاهـر التي تتحول كيميائيا لجمالية خاصة بما فيها،

 

المسرح الحساني:

 

لكن هـذا الأخير لا يخرج عن هذا السياق، لكن له خصوصية متفردة تكمن في اللهجة وطابع الحياة الصحراوية، بعيدا عن الفلكلورية، التي يرفضها البحث ” ميلود بوشايد ” بعبارة صارمة مفادها:” إن المسرح الحساني يعتبر ظاهرة ثقافية بامتياز ، شريطة التعامل معه بعيدا عن تلك الانطباعات التي تكرس النظرة الفولكلورية ، والحث على قراءته باعتباره تجربة إبداعية لها خصوصيتها اللغوية والفنية والثقافية(3) فهاته الخصوصية هي المحدد لهويته التي لم تأت من فراغ بل لها جـذورها التاريخية والإجتماعية لهذا :” الحسانيون أو بنو حسان، هم مجموعة من عرب المعقل تُنسب إلى حسان بن المختار بن محمد بن معقل، كانت قد دخلت شمال إفريقيا ضمن الهجرة الهلالية التي اجتاحت بلاد المغرب منتصف القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي(4) هذا الطرح التاريخي عمليا يوحي بحدوث عملية المثاقفة مما لاشك فيه. نتيجة الهجرة الحسانية كوافدين والسكان الأصليين (صنهاجة) ولهذا ليس غريبا بأن المسرح الحساني نسبته للهجة الحسانية، التي هي إحـدى اللهجات المغربية التي يتكلم بها سكان المناطق الجنوبية.

ففي هذا الإطار؛ فالأستاذ ميلود تجاوز الطرح التاريخي السابق. ليتوسع في إمدادنا بالهوية الجغرافية للحسانية بالتدقيق وذلك أن اللهجة الحسانية تمتد:” انطلاقا من وادي نون بإقليم كلميم إلى إقليم وادي الذهب المتاخم للحدود الموريتانية ، مرورا بأسا الزاك وطانطان والسمارة والعيون وبوجدور، وتعتبر موريتانيا منبع هذه اللهجة التي تشكل إحدى القواسم المشتركة بين الإنسان الصحراوي في الجنوب المغربي وبين الإنسان الموريتاني (5) ففي هـذا الشريط يتحرك ” المسرح الحساني” بكل وثوقية، مستعينا بتراثه المحلي، الغني بالحكي والسرديات، لترسيخ هويته. المرتبطة بخصوبة الصحراء وعامل المثاقفة لأنه:”  ارتبطت هجرة عرب المعقل ارتباطًا وثيقًا بـ”التغريبة الهلالية” التي انطلقت من صعيد مصر باتجاه شمال إفريقيا. وتذكر السردية المتداولة عنها تفاعل عدة عوامل أدت إلى هذا التهجير القبلي الكبير، منها السياسي ومنها المذهبي ومنها البيئي(6) مسألة التهجير مسألة عُـرفت تاريخيا منذ عهد الدولة الموحدية، لكنها ساهمت في تفعيل الهوية الثقافية ، وتشكيل البنية الثقافية/ الإجتماعية من خلال الهويات الهاربة وتداخلها. وذلك لتحقيق المشترك بين الأفراد. والعجيب أن ” المسرح الحساني” اشتغاله على الموروث، ليس الهدف من ورائه تأصيل المسرح، كما توهم بعض[التأصيلين/ المنظرين]لأن هاجس التأصيل ظل هاجسا !!”فالمسرح الحساني” فـن مستقل يستلهم من الثقافة الصحراوية المغربية، رغم محاولة شحنه بالمفاهيم والمصطلحات في الندوات والمناقشات وبالتالي:” إن الإنجازات التي حققها المسرح الحساني خلال فترة وجيزة ، قد جعلته يكتشف أرضيته بسرعة فائقة ، فبعد استيعابه للأساليب والأسس الدرامية … حرص على تطوير تجاربه الفنية ، التي اتسمت بالبحث في اللغة وفي المضامين والأشكال ، لذلك وجد هذا المسرح نفسه يقوم بدوره الإيجابي في بلورة خصوصيته الثقافية (7) بداهة؛ المسرح له أدوار متعددة،  وليس دورا واحدا ، وذلك ناحية التأثيرات الثقافية  التي تساهم رأسيا في إدخال تغييرات  وتعديلات في سلوك وأعراف المجتمع الصحراوي. وذلك من خلال تعدد المهرجانات التي تقام في الشريط الحساني، والمثاقفة الحالية بين مسرح الشمال ومسرح الجنوب، وهذا لم ينتبه إليه ” ميلود بوشايد” بقدر ما ركز على توظيف التراث الشعبي الذي يعتبره :” مقوما من مقومات الشخصية الصحراوية ، فإنه في الآن ذاته طاقة إبداعية يمكن أن تتجسد في المسرح الحساني بأشكال متعددة ، وأن تكتسب أهميتها من خلال الارتباط بالواقع المعيش(9) أعتقد بأن التراث سواء المادي أو الرمزي، لاعلاقة له بالواقع المعيش، بمعنى: هل يمكن توظيف رقصة ( الكدرة/ تراث) في سياق حدث لإقطاعي استولى على نخيل أحد البسطاء(واقع)؟ ممكن من ناحية الفنتازيا، ولكن سنكون أمام فلكرة الواقع(؟) ولاسيما أن الواقع  بنظامه الكوني يفرض الصراع  لتحقيق درامية الفعل المسرحي. بخلاف التراث إنه ينسف الصراع، ليبقى مجرد احتفاء واستلذاذ وقتي وماضوي. ولا ننسى التطور الذي حدث للواقع الصحراوي، رغم أن البعض يذكي بأن :”الثقافة الحسانية أو ما يعرف بثقافه “البيظان” هي نظام متكامل من تفاعلات تراثية وأنثروبولوجية وعلاقات اجتماعية وتشكيلات فنية، وطقوس وعادات راسخة، في جنوب المغـرب وموريتانيا (8) هذا يبقى مجرد طرح، لأن الثقافة لا تظل جامده في بعدها المادي، فهي تتفاعل بتفاعل الإنسان، وتتطور بتطوره، وحتى إن سعينا لتوظيف التراث الشعبي الحساني في المسرح هل استطاع المبدع الحساني: في استلهامه للتراث أن يعي تماما معطيات العناصر التراثية المختلفة ؟ وأن يعي واقعه الذي يحاول طرحه من خلال العناصر التراثية المستلهمة في المنتج الإبداعي الجديد(9) لأن التوظيف يرتكز أساسا على وعي المبدع لتراثه وعلى وعيه بدوره التاريخي من جهة أخرى. ونحن أمام معضلة مفادها :”غياب نصوص درامية حسانية ، ولأن المسرح الحساني لم يستطع بعد ترسيخ تقاليده على مستوى الكتابة الدرامية (10) ولهذا ليس أي تراث قابل للمسرحة ، وبالتالي على أي أساس يمكن توظيف التراث الشعبي الحساني، أليس على الإعداد أو الإقتباس أو الدراماتورجيا؟ فهاته التقنيات المكونة للنص الدرامي، هل حبكتها ستتلاءم مع المتخيل الجمعي للمتلقي الحساني؟

الإشكالية: تأتي الإجابة من المنجز الذي أنجزه الباحث” ميلود بوشايد” بحيث يضعنا في سياق ما بين التراث والواقع بأن المسرح الحساني :” مازال في أمس الحاجة إلى إعادة صياغة الأنساق والأشكال البصرية المبثوثة في الثقافة الشعبية وتوظيفها بشكل فني جمالي في سينوغرافيا العرض ، نظرا للقيمة المعرفية والسيكولوجية والتعبيرية لهذه الأشكال في ذات المتلقي ومرجعياته، لأنه عبر آلية التوظيف تأخذ هذه الأشكال أبعادا تأويلية ، تنسجم جماليا وفكريا مع التصورات العامة لتشكيل الفضاء الركحي في المسرح الحساني(11)

 

السؤال المؤجل:

 

طبعا أي تجربة إبداعية، قابلة للتجديد والتعديل، باعتبار أن أي عرض مسرحي بمثابة طفل ينمو ويكبرليحقق سمات الوجود الفعلي المكتمل . لهذا فالتراث الحساني بخصوصيته لا ينفصل عن الحقل الثقافي المغربي المتنوع والغني، بتراثه الرمزي كعنصر أساسي في تكوين الثروات، والمسرح يبقى في شموليته أحد إفرازات وتجليات الثقافة الوطنية المغربية، ولهذا:” لا يكفي أن يفهم الشخص المفردة الحسانية بل يحتاج إلى فهم السياق الذي تتداول فيه، لما للتعابير الحسانية من خصوصية تجعل فهمها واستيعابها والقدرة على استعمالها فن يصعب بلوغه على الشخص غير “البيظاني” (12) بحكم أن اللغة هي  في الأصل” بيت الكينونة” وفهما يسهل القبض على المعنى. لأن اللغة – تواصل – فلهذا أليس الشعراء حرّاس اللغة؟ ولهذا فمن العبث أن نستدعي ونحضر في مهرجان ( ما) نماذج لا علاقة لهم بالثقافة الحسانية، ولن تدفع بخصوصيته الثقافية واللغوية  والجمالية، ونهمل أو نقصي طاقات وفعاليات، يمكن أن تضيف نفسا للتجربة، وذلك من أجل :” ترسيخ قيم الهوية الثقافية الحسانية من خلال التوسل باللهجة الحسانية والحفر في الذاكرة الجماعية واستثمار الموروث الثقافي الصحراوي بهدف تأسيس فعل مسرحي يمتلك خصوصيته وتفرده وتميزه (13) وعموما قدم لنا الباحث ” ميلود بوشايد” منجزا وإن كان الغالب عليه انطباعات وشبه ارتسامات تجاه توظيف التراث الشعبي في المسرح الحساني، والحق نقول: بأن التوظيف قضية تحتاج لوعي متجذر بالممارسة الفنية، وإدراك بالأهداف الاستراتيجية للتوظيف.

 

الإستـئناس:

 

1- توظيف التراث الشعبي في المسرح الحساني : لميلود بوشايد- مجلة بصمات– التابعة لكلية الآداب و          

     العلوم الإنسانية ابن مسيك- ع 03/2006

2- نــفــسه

3- نــفســـه

4- الهجرة الحسانية إلى موريتانيا: مسار طويل من التأثير والتأثر: لعبد السلام يحي  (موريطاني) مجلة

     ماغـزين- بتاريخ/25 /أغسطس /2024

5- توظيف التراث الشعبي- الإستئناس :السابق

6- الهجرة الحسانية- الإستئناس : السابق

7- توظيف التراث الشعبي- الإستئناس السابق

8- الثقافة الحسانية.. المشترك الأبرز بين المغاربة والموريتانيّين: للتهامي العم- صحيفة –

     هسبريس بتاريخ- 16/10/2016

9- التراث الشعبي في المسرح المصري الحديث لكمال الدين حسين: ص17 الدار

     المصرية اللبنانية- القاهرة / 1993

10- توظيف التراث الشعبي- الإستئناس: السابق

11- نــفســـــه

12- الثقافة الحسانية.. المشترك- الإستئناس: السابق

13- توظيف التراث الشعبي-  لميلود بوشايد-الإستئناس: السابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى