Web Analytics
متفرقات

هكذا أسكت البطيخ اليمين المتطرف في توري باتشيكو

بقلم.. إلينا رينا Elena Reina

في بلدة توري باتشيكو الزراعية، الواقعة في قلب منطقة كارتاخينا الإسبانية، حيث تُصدِّر سنويًا نحو 160 ألف طن من البطيخ إلى أوروبا، بدا أن حملة الكراهية ضد المهاجرين اصطدمت بحقيقة أبسط: بقاء هذه البلدة مرهون ببقاء عمالها المهاجرين.

في يوم قائظ بلغت حرارته 38 درجة، كان عشرات العمال، بقمصانهم البرتقالية، ينحنون بين خطوط البطيخ الثقيلة التي يرويها الماء الصناعي، لتنتج آلاف الأطنان التي تملأ شاحنات التصدير. هنا، حيث تتكسر الظهور تحت ثقل الأرض والثمرة، بدت دعوات اليمين المتطرف لطرد المغاربة أشبه بالخيال. كيف سيعيش هؤلاء المزارعون دون اليد التي تقطف لهم بطيخهم ليصل إلى موائد الفرنسيين وغيرهم؟

كانت الحملة الإعلامية ضد المغاربة قد اشتعلت عندما ضرب ثلاثة شبان عرب رجلا إسبانيًا مسنًا يُدعى دومينغو حتى تورم وجهه وامتلأت عيناه دمًا، فأثارت صورته غضبًا واسعًا. خرجت مظاهرات ضد العنف في البلدة، لكن سرعان ما استغلها سياسيون من حزب “فوكس” اليميني المتطرف، إضافة إلى مجموعات نازية صغيرة و”مؤثري” مواقع التواصل، لإطلاق دعوات صريحة لطرد المهاجرين المسلمين، معتبرينهم تهديدًا ديمغرافيًا وثقافيًا.

قالت نائبة من حزب فوكس إنه يجب ترحيل ثمانية ملايين مهاجر وأبنائهم للحفاظ على “بقاء الأمة”. استعاد الخطاب المتطرف مشاهد أحداث إل إيخيدو في الأندلس عام 2000، عندما قُتل ثلاثة إسبان فردّت البلدة بحملة عنيفة ضد المغاربة العاملين في الزراعة، وهي ذكرى لا تزال حية في الوعي الإسباني.

لكن في توري باتشيكو، سرعان ما انكشفت القصة. فالشبان الثلاثة الذين اعتدوا على دومينغو لم يكونوا من سكان البلدة أصلًا، بل وصل أحدهم من كتالونيا قبل أسبوع فقط، ولم يتجاوز وجود الآخرين فيها شهرا ونصف. أما زوجة دومينغو، إنكارنا، فأدركت سريعًا أن جهات سياسية استغلت حادثة زوجها لإشعال الكراهية والعنف في بلدتهم المسالمة. وقالت لصحيفة “إلباييس”:
“لقد استغلوا حادثة دومينغو ليجلبوا العنف إلى هنا، ليفعلوا بالآخرين ما فعله المعتدون به.”

عشرات الرجال من خارج البلدة، بينهم نازيون جدد من أليكانتي وألميريا، جابوا شوارع حي سان أنطونيو ذي الأغلبية المغربية رافعين شعارات عنصرية. واجههم شبان الحي في اشتباكات عنيفة أسفرت عن عدة اعتقالات، فيما هاجم آخرون مطعمًا مغربيًا (كباب) بعصي البيسبول قبل أن تفرقهم الشرطة.

على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع تحرض على “صيد العرب” و”استعادة توري باتشيكو”. قاد الحملة شخصيات يمينية متطرفة معروفة مثل زعيم مجموعة “ديسوكوبا” التي تخرج المستأجرين بالقوة، ومدونون يمينيون شهيرون، لكنهم فوجئوا بحقيقة الأرض التي وطئوها.

في يوم التظاهر الأكبر، لم يتجاوز عدد المشاركين 150 شخصًا معظمهم من خارج البلدة، فيما رافقت الشرطة قادة اليمين المتطرف إلى سياراتهم قبل بدء المسيرة. أما المزارعون، فكانوا على بُعد عشرة دقائق يواصلون قطاف البطيخ. لم يجرؤ أحد على مهاجمتهم أو حتى ذكرهم، فبدونهم لا بطيخ، ولا ربح، ولا حياة اقتصادية للبلدة.

في تلك الليالي المشحونة، خرج أئمة مساجد الحي وأعيان الجالية المغربية بجلابيبهم وقلنسواتهم البيضاء، ووقفوا وسط الشباب الغاضب يرددون:
“نحن نريد السلام فقط. يجب أن يهدأ كل شيء.”

وبينما ظل عشرات الشبان يسهرون لحراسة مداخل حيهم خوفًا من اعتداءات النازيين الجدد، خيم الصمت على بقية البلدة.

قال أنطونيو ليون، عمدة توري باتشيكو السابق والمتحدث باسم حزبها المحلي المستقل:
“الكراهية جاءت من الخارج. نحن مجتمع متعدد الثقافات. ربما لا نتشارك العادات كلها، لكننا نحترم بعضنا البعض. هناك تعايش فرضته الحاجة.”

فالعمال المهاجرون يشكلون أكثر من 90% من اليد العاملة في الزراعة، وكثيرون منهم أصبحوا مسؤولين ومشرفين. وتنتج البلدة ربع محصول البطيخ في إسبانيا، ويجلب لها وحده قرابة 150 مليون يورو سنويًا. تاريخيًا، استقبلت هذه الأرض عمالًا أندلسيين ومن لا مانتشا، ثم بدأ المغاربة يتوافدون في الثمانينيات، تبعهم إكوادوريون ورومانيون وهنود (من السيخ)، واستقر كثيرون منهم هنا مع أسرهم.

اليوم، لا أحد من جامعي البطيخ هنا إسباني الأصل. لا المزارع ولا المشرف ولا حتى عامل المياه. فكيف يمكن لبلدة كهذه أن تحارب مصدر رزقها الوحيد؟

يقول أحد المزارعين الكبار وهو ينظر إلى الحقول تحت شمس يوليو الحارقة:
“ليأتوا هم، أصحاب الأوشام، ويجربوا كم سيصمدون هنا.”

هكذا أسكت البطيخ اليمين المتطرف في توري باتشيكو

زر الذهاب إلى الأعلى