لا يختلف اثنان، كون أن مدينة طنجة تعاني كثيرا من النمودج السياسي القادر على تدبير شؤون المدينة وأن يتعاطى بإيجابية كبيرة ولو بالحد الأدنى مع مطالب واحتياجات الساكنة، وربما اذا اضظررنا القيام بمقارنة بسيطة منذ ان اعتمدت طنجة نظام العمودية، سوف نتفق أن العمدة “الدرهم” الى حد ما كان أن تجربة مرة بالمدينة، لكنها لم تكن تلك التجربة السياسية الناجحة و القادرة على الرقي بمدينة طنجة عروسة الشمال.
واذا ما توقفنا عندنا تجربة ليموري الذي صعد إلى عمودية طنجة في شتنبر 2021 بقدرة ظروف سياسية وتحالفات سياسية، أكثر من قدرات شخصية، سوف نجد أنه قدّم نفسه في البداية كرجل المرحلة، الطموح، القادر على قيادة ثاني أكبر قطب اقتصادي في المملكة نحو التغيير.
لكن سرعان ما تبيّن أن الوعود لم تكن سوى واجهة لخطاب سياسوي فارغ، وأن العمود الفقري لتجربته السياسية هو التناقض، حتى صار يوصف بالعمدة الذي لم ينجح لا في التسيير ولا في التواصل، ولا حتى في ممارسة الكذب بذكاء، رغم محاولاته العديدة في تقمص شخصية “مسيلمة الكذاب” سياسيا.
الفشل في عهده كان مركّبًا وحمال الأوجه: في تدبير المجلس، حيث تنازل عن صلاحيات أساسية لرئيس الجماعة، المقرّرة في القانون التنظيمي 113.14، وفي عهده تراجع أداء المرافق الحيوية بشكل ملحوظ. ملف النظافة مثال واضح: عقود التدبير المفوض لهذا القطاع تستهلك ما يقارب نصف ميزانية الجماعة، لكن المدينة غارقة في النفايات والحفر، ومع ذلك يصرّح ليموري أن طنجة من أنظف المدن وينقصها الوعي الجماعي فقط، متجاهلًا واقعًا يراه كل من يمرّ بأحيائها. هذا ليس مجرد سوء تقدير، بل كذب سياسي موثّق بالصور والوقائع اليومية.
حتى وعوده المباشرة لم تصمد أمام اختبار الزمن. خرج في خطوة إعلامية مدروسة معلنًا “العمدة يجيبكم”، واعدًا الصحافة والساكنة بالتجاوب، لكن ما حدث هو العكس تمامًا، إذ لم يجب عن شيء. وعندما أراد التجاوب أو بالأحرى تمرير ما يريد اختار بدقة متناهية مع من يمر معهم لكن فشل أيضا حتى في تمرير الرسائل.
تعهّد برصد ميزانية مهمة لإصلاح الطرق ومعالجة الحفر التي تشكّل حديث الشارع، لكن تدخّل الوالي يونس التازي هو الذي أنقذ الموقف في ملفات عاجلة، بعدما غاب المجلس عن أداء دوره،فالرجل لا يجد وقتا كافيا عندما قرر السماح في مهامه وتقمص شخصية الرحالة ابن بطوطة.
سياسيًا، تكرّس فشل الرجل في حزبه كما في الجماعة. العمدة الذي قيل عنه إنه الطموح، أضحى عاجزًا عن ضبط فريقه، إذ تمرد عليه مستشارون من داخل نفس الحزب، وخسر معركة قضائية ضدهم. ثم زاد من العبث عندما لوّح باستقالة مزعومة من العمودية للترشح برلمانيًا، في خطوة يعرف قبل غيره أنها لن تتحقق، لا بقرار الحزب ولا بثقة الناخبين. حتى حين حاول أن يقدّم نفسه كسوبرمان السياسة، كان يدرك أن الزمن السياسي لعام 2021 انتهى بلا رجعة.
المفارقة الكبرى أن منير ليموري لم يكتف بالفشل في التدبير، بل فشل حتى في تسويق الأكاذيب التي صنع منها واجهة إعلامية. فالكذب السياسي – كي يمرّ – يحتاج حبكة، اتساقًا، وقدرة على الإقناع. لكن أكاذيب العمدة انكشفت بسهولة، وتحولت إلى نكتة في المشهد المحلي. واليوم، تبقى طنجة أمام واقع يفرض مراجعة عميقة: مدينة كبرى لا يمكن أن تُدار بخطابات الوهم، ولا بوعود رجل فقد حتى مهارة الإيهام.