يبدو أن عمر مورو، الرجل الذي علّقت عليه آمال كبيرة لتصحيح المسار السياسي والتنظيمي لحزب التجمع الوطني للأحرار بجهة الشمال، يعيش اليوم أصعب لحظاته منذ توليه قيادة الحزب إقليمياً وجهوياً. فبعد مسار طويل بدأه داخل الاتحاد الاشتراكي ثم مروره بحزب الأحرار، وصولاً إلى رئاسته لغرفة التجارة والصناعة والبرلمان بمجلس المستشارين، وصولاً إلى رئاسة مجلس الجهة، كان المنتظر أن تشكّل تجربته السياسية ورصيده المؤسساتي حصانة ضد الإخفاقات. غير أن الواقع يكشف عكس ذلك؛ إذ تتوالى الضربات واحدة تلو الأخرى، حتى من داخل البيت الحزبي نفسه.
عمر مورو، الذي طالما قدّم نفسه كوجه إصلاحي لحزب التجمع الوطني للأحرار بالشمال، يجد نفسه اليوم في قلب إعصار سياسي يهدد مساره الحزبي وربما يكتب نهاية مشروعه الذي بدأه بشعارات كبيرة حول النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد. لكن الوقائع على الأرض تكشف أن الرجل فشل في أول اختبار حقيقي، لتنهال عليه ثلاث ضربات متتالية قد لا يخرج منها سالماً.
الضربة الأولى، والتي يمكن وصفها بالقاضية، تمثلت في اعتقال نائب رئيس مقاطعة مغوغة المنتمي لحزب الأحرار، وهي قضية فجّرت أسئلة محرجة عن كيفية منح التزكيات داخل الحزب. فالمتهم، حسب المعطيات المتداولة، كان موضوع اتهامات قبل التحاقه بالأحرار، وهو ما يجعل المسؤولية السياسية تقع مباشرة على مورو الذي فوّت فرصة التدقيق في السير الذاتية قبل اعتماد المرشحين. أما إذا كان التورط حدث بعد الانتماء، فالمسؤولية تصبح مضاعفة، خصوصاً وأن الصمت الذي اختاره الرجل بدل اتخاذ إجراءات حازمة فُسّر على أنه عجز أو خوف من مواجهة شبكة نفوذ قد تكون قريبة منه.
الضربة الثانية جاءت من داخل البيت، بعد أن تم سحب تفويضات من شقيقه عبد النبي، أحد أبرز نواب العمدة المحسوبين على الحزب. هذا التطور لم يكن مجرد إجراء إداري، بل رسالة سياسية صريحة مفادها أن الأداء الضعيف وتداخل المصالح العائلية بات نقطة سوداء في تجربة الأحرار التسييرية، ما أحرج مورو أمام الرأي العام وأمام القاعدة الحزبية التي كانت تنتظر نموذجاً في الحكامة.
أما الضربة الثالثة فهي الغياب شبه التام للدعم من القيادة الوطنية والجهوية، في مؤشر اعتبره كثيرون بداية عزلة سياسية واضحة. القيادة التي كانت تساند مورو وتراهن عليه، باتت تراقب بصمت، وكأنها تحضر لمرحلة ما بعد مورو. وفي لغة السياسة، حين تفقد الغطاء المركزي، تصبح كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها الإطاحة الناعمة أو تهميش الرجل تدريجياً.
هنا تبرز الأسئلة الكبرى: أين اختفى شعار محاربة الفساد الذي رفعه مورو في كل المحطات الانتخابية؟ ولماذا لم يتحرك لفتح تحقيق حزبي أو على الأقل إصدار موقف صريح يبرّئ الحزب ويعيد الثقة؟ هل فقد الجرأة، أم أن الخيوط متشابكة لدرجة أن أي خطوة قد تفجّر ملفات أكبر تطال المقربين منه؟
اليوم، مورو أمام لحظة الحقيقة: إما أن يتحرك بقرارات جريئة تُثبت أن الشعار لم يكن مجرد دخان انتخابي، أو أن يسجّل التاريخ سقوط مشروعه عند أول اختبار حقيقي. أما الاستمرار في سياسة الصمت وانتظار الفرج، فذلك يعني أن الضربة التي لم تقتله… قد لا تمنحه حياة جديدة، بل تقوده إلى نهاية بطيئة ومؤلمة.