في جماعة اكزناية ضواحي طنجة، لم تعد الأعذار الواهية ولا تبادل الاتهامات بين المجلس والسلطات المحلية قادرة على حجب الحقيقة الصادمة: تدبير الشأن الترابي يعيش شللاً عميقًا، وسط صمت غير مبرر من غالبية المستشارين الجماعيين ونواب الرئيس الذين اختفوا عن الأنظار، وابتلعوا أدوارهم الدستورية وكأنهم لم يُنتخبوا أصلًا.
فمنذ الإنتخابات الأخيرة 2021، تعيش الجماعة الحضرية على وقع تعثرات متكررة في مختلف الملفات التنموية، وهي وضعية يتحمل فيها جزء من المسؤولية الجانب الإداري، لكن القسط الأوفر، ووفق متتبعي الشأن المحلي ومواطنين تحدثوا لموقع شمال بوست، يقع على عاتق مجلس الجماعة، خاصة النواب والمستشارين الذين اختاروا الغياب عن التواصل اليوميء مع المواطنين والمواطنات، وركنوا إلى كراسيهم بصمت مريب.
وفي مشاهد عبثية تتكرر يوميًا، تحولت أرصفة اكزناية إلى أسواق عشوائية، وسط فوضى تعكس غياب رؤية تدبيرية واستقالة فعلية للمجلس عن مسؤولياته. فلا مراسلات إلى السلطات، ولا طلبات لتفعيل لجان مشتركة، ولا أي مجهود يذكر لمواكبة هذا الانهيار، رغم صرف الملايين من المال العام على مشاريع بقيت حبراً على ورق، كحال الأسواق الجماعية المغلقة والطرق المتدهورة ومشاريع الإنارة والنظافة التي تعرف اختلالات بالجملة.
ووفق شهادات متطابقة، فإن قلة قليلة من نواب الرئيس هم من يظهرون خلال دورات المجلس ويطرحون أسئلة ويشاركون بمقترحات، بينما يكتفي الآخرون، وفق تعبير أحد المواطنين، بـ”التفرج من المقهى وتبرير تقصيرهم بحجج سخيفة، أو تعليق فشلهم على شماعة تصميم التهيئة أو ضعف تدخل السلطة”.
وما يزيد الطين بلة، هو التواطؤ الصامت أمام خروقات الشركات المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والمساحات الخضراء، إذ تساءل أحد السكان قائلاً: “هل من الطبيعي أن نرى الحفر والممرات مدمرة بعد كل أشغال ولا أحد من المنتخبين يكتب حتى شكاية واحدة؟ ما فائدة انتخاب مستشار لا يجرؤ حتى على مراسلة شركة أمانديس؟”.
واقع مأزوم يطرح سؤالًا صارخًا حول معنى التمثيلية إذا غابت عنها الإرادة والغيرة على الصالح العام. بل أكثر من ذلك، يقول أحد المتابعين المحليين: “إذا كان بعض المستشارين لا يملكون حتى الجرأة على طلب إدراج نقطة في جدول أعمال، فبأي وجه ينتقدون السلطات أو يشتكون من تدهور البنية التحتية؟ من لا يحرك ساكنًا لا يحق له رفع الصوت”.
وتتقاطع هذه الشهادات مع تقييمات لمرحلة سابقة من تسيير الجماعة، حين كان المجلس أكثر جرأة في المبادرة والاقتراح، كما حدث خلال تخصيصه وعاء عقارياً لفائدة الأمن الوطني وأخرى لإنجاز مقبرة نموذجية، رغم أن هذه المشاريع لم تر النور لأسباب متعددة. لكن الفارق، بحسب متحدثين للموقع، أن المجلس السابق “كان يتحرك، يراسل، يترافع، يضغط… أما اليوم فلدينا مجرد ديكور سياسي صامت، عاجز حتى عن تتبع مشروع طريق أو إنارة حي”.
جماعة اكزناية اليوم ليست بحاجة إلى أعذار جديدة، بل إلى يقظة سياسية حقيقية تعيد الاعتبار لأدوار المجالس المنتخبة، وتضع حداً للتراخي الذي يجرّ خلفه تدهورًا مستمرًا يطال البنية والخدمات والكرامة. والأكيد، كما يردد كثير من المواطنين، أن الأزمة لم تعد في القانون، بل في الأشخاص الذين اختاروا أن يكونوا شهود زور على فشل جماعي في أوضح صوره.