أخبار وطنية

“صيد الموروس” وفنادق الكلاب في إسبانيا!

عبدالحميد البجوقي

في قلب طوري باشيكو، تلك البلدة الهادئة في ظاهرها، تجري حالياً أحداث تصلح لفيلم عبثي من إخراج كافكا وكتابة نصّية لجورج أورويل، لكن بنكهة إسبانية مشبّعة بالخمور، البطيخ، ومطاردة المهاجرين!

تصدّرت وسائل الإعلام الإسبانية مؤخراً تقارير عن ظهور جماعات متطرفة تدعو إلى “صيد الموروس” (والمقصود هنا طبعاً ليس طقوس ترفيهية أو مهرجان شعبي بل مطاردة فعلية للبشر من أصول مغاربية)، في مشهد يعيد للأذهان عصور الظلام… لكن بأسلوب عصري، فيه حسابات تيليغرام وشعارات وطنية ملفقة، تدعو لحماية الوطن من “الأوغاد”.

عبد الحميد البجوقي
عبد الحميد البجوقي

ولكن دعونا لا نحزن كثيراً، فثمة بصيص أمل في هذا البلد الذي يعرف تماماً كيف يوازن بين القسوة والحنان. ففي نفس النشرة الإخبارية، وبعد تقرير مطوّل عن ملاحقة المهاجرين كما يُلاحق الأرنب في موسم القنص، جاء الخبر التالي مباشرة:

“ارتفاع عدد الإسبان الذين يضعون كلابهم في فنادق فخمة خلال الصيف، بأثمان قد تفوق راتب عامل زراعي مغربي في حقول البطيخ بطوري باشيكو.”

يا لها من لحظة إنسانية مؤثرة!

فبينما يُعامل الإنسان ذو البشرة السمراء كهدف مشروع للهواية الوطنية الجديدة، يُعامل الكلب كشخصية VIP تحتاج إلى جاكوزي وغرفة مُكيّفة ووجبات عضوية خالية من الغلوتين.

المفارقة صارخة لدرجة أن المواطن العادي لا يعرف إن كان عليه أن يقلق على ابن عمّه الذي يعمل في الحقول، أم يشعر بالغيرة من كلب “روبرتو” الذي يقضي عطلته الصيفية في “Canine Resort Deluxe” بـ 50 يورو في الليلة، ويتلقى جلسات مساج بالأعشاب الطبيعية.

المشكلة ليست في الكلاب، فكلبٌ مدلّل لا يُلام. المشكلة أن الكلب ينام في سرير أنظف من زنزانة احتُجز فيها مهاجر بلا أوراق، ويتناول عشاءً أغلى من ساندويتش الطماطم الذي يأكله العامل الزراعي بعد 12 ساعة من العمل تحت شمس طوري باشيكو الحارقة.

يا سادة، نحن أمام حضارة بلغ فيها الوعي الإنساني مداه… فقط حين يكون موضوع النقاش “كلباً بصوف ناعم”، أما إن كان “موروسياً ” أي وُلِدَ في مورسيا من أبوين مغربيين، فذاك شأن آخر، تُطبَّق عليه قوانين الطوارئ و”الهوية الوطنية” وقلق السكان من “الغزو الصامت”. حتى لو كان من حفدة ابن عربي المورسي.

في حسرتي هذه، لا يسعني إلا أن أوجّه نداء إلى السلطات:

إذا كنتم تخافون على كلابكم من الشعور بالوحدة في الصيف، تخيلوا للحظة شعور مهاجر يركض في شوارع مورسيا، يطارده شبان ملثمون، لأنّ اسمه محمد، لا مانويل، وتخيلوا بالمقابل شعور من يجري في شوارع طنجة لأن إسمه مانويل.

وإن كانت الديموقراطية الغربية عمياء، فربما حان الوقت أن نشكّ إن كانت مصابة أيضاً بفقدان حاسة الشمّ… لأن رائحة النفاق، باتت تزكم الأنوف. ورغم ذلك لا زال في صحون الإسبان شيء من عسل، والكثير منهم لهم مواقف مُشرِّفة وشجاعة في مواجهة هذا الانحدار..

زر الذهاب إلى الأعلى