Web Analytics
مقالات الرأي

نجيب طلال يكتب:اخــتلالات المسرح في المغـرب !!

ما أصاب المشهد المسرح في المغرب ؛ من اختلالات إلا نتيجة تواطؤات وصمت مريب؛  صمت له لغته ومعناه ؛ في سياق التحولات الاجتماعية والمعـرفية والاقتصادية؛ صمت مغـلف بشكل محكم؛ عبر وسائل التنظيم[ النقابات المهنية/ شركات الإنتاج ] واغتيال مسرح الهواة في [ طبعته الأولى] مما لم تعُـد هناك تلك القوى التي كانت حية وحيوية ! أوتلك الفلتات الإبداعية الصاخبة في الفضاء الثقافي والحياة المجتمعية ! وبالتالي ففي إطار الصيرورة التاريخية؛ وتوالي السنوات؛ هنالك ممارسين وطلبة وباحثين؛ لم يفهموا ما جرى وما يجري في المجال المسرحي؛ ورغم ذلك يتبنون مفاهيم وقضايا خارج الفهم؛ ويخطون مغالطات تاريخية فظيعة؛ ويلوكون أسماء وتجارب ؛ مجانبة لحقيقتها أولا؛ وثانيا بعْـضها لا وجود له بالمرة في ذاك الزمان والمكان؛ فكيف تسرب إليهم ذلك[ ؟] عـذرهم يكمن في لغة الصمت التي أصيب بها المشهد الإبداعي والثقافي؛ وما دوافعه؟ هل ارتباطا بمفهوم [المصالحة] الذي انقذف في الساحة السياسية؛ واكتسح كل المكونات المجتمعية ( شكليا) أم مفهوم [التناوب] الذي اخترق الجهاز الحكومي؟ وبالتالي تحقيقا للمفهوم؛ لامناص أن يتناوب[ الصمت عن الكلام] كلام مشاغـب في مجال[ المسرح] لآن حقيقة الواقع  الفني والإبداعي ؛ في عمق ميكنزماته ؛  تقوده وتسيره وتسهر عليه السياسة بمعناها ” المطلق”  وليس الفكر ! كما نتوهم ؛ وهاته القضية في العالم العـربي كله بدون استثناء؛  لآن الذي له حق الكلام ؛ ذاك الذي يمتلك في الحقيقة سلطة الكلام؛ وما دون ذلك؛ فأي خطاب معـرض للامبالاة؛ هذا إن لم يتم التهكم عليه في الصالونات والأوساط المخملية: لآن ثقافتنا لم ترق بعد ـ بحكم تركيبتها البنيوية ـ إلى مستوى الوعي الجماعي؛ ولم تكسب مناعتها بالتأصيل الوطني والبناء الإيديولوجي؛ ضد الذاتية والتفسخ والانحراف، فقد هوت وهوى أصحابها(المثقفون) في أغلب فصائلهم إلى هذا الوضع المتفـسخ المسلوب؛ وإذا هـُم في أغلب الأحوال في موقع نخبوي متميز؛ وعلى واجهة فوقية ـ كالثقافة التي أنتجتهم,, وفي النهاية يصبح الاندماج في إطار الزيف العمومي سمة ومسلك الجميع؛ وإذ الهموم التي تخلقها الطموحات الذاتية و(تسكن) الكثيرين ؛ هي الإمعان في اكتساب التأهيلات الثقافية والخصائص الحلزونية وأحيانا الإبداعية للوثوب على المواقع والتسلل بين الصفوف والتصدر فوق الظهور وبانتهاز ثقافي ملتو….(1) فهذا الطرح قيل؛ قبل المصالحة والتناوب؛ ولماذا هاته المرحلة التاريخية بالذات؟

 

التحـول والاختلال:

بدون قناع إيديولوجي، من تلك المرحلة أمسى تتويج اختلالات المسرح في المغـرب تبرز بشكل فاضح وواضح. وعبرها تمت محاولة تأسيس ما يسمى – تجاوزا -بالمجتمع المدني؛ وعلى ذكره؛ فهل تشكله في سياق الرهانات المجتمعية والتحولات العالمية؛ يفرض نوعا من الصمت؟ أو نوعا من الحيوية والدينامية؟ بداهة فالمجتمع المدني تعـددت حوله المفاهيم والآراء؛ منذ  ظهور نظرية التعاقد: من لدن :”جون لوك” و”توماس هـوبز” (إنجلترا) “جاك روسو”( فرنسا) وأمسى النقاش حول – المجتمع المدني – المفهوم والإجراء؛ إلى حدود أفكار- غـرامشي- والذي استطاع ربط المثقف بالمجتمع المدني؛ عبر- الخصوصية –  وليس انعكاسا نظريا؛ لما هو خارج الدينامية الايطالية؛ ومدعاة هـذا القول: إننا والعالم العـربي سواء؛ لم نفهم بعد ما- المجتمع المدني رغم العـديد من الدراسات القيمة؛ ولكن معضلة بعض منها؛ لا ينطلق انطلاقا من خصوصيتنا؛ ولاسيما أن المجتمع المدني: بوصفه مفهوماً برجوازيا، لان الحديث عنه يعني الغطاء والتبرير لعدم الحديث بصراحة، وبكل وضوح، عن صراع الطبقات والمآسي المترتبة عليه (2) وبالتالي يمكن القول: أن الأمثلة البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي: الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والجمعيات الفنية والاجتماعية والثقافية والنقابات المهنية ؛ في بلادنا وهي المساهمة في دعْـم التحول السياسي؛ في سياق ترسيخ وتوطيد “مجتمع مدني” على أرضية صلبة.

وتاريخيا فالجمعيات الرياضية أو الثقافية ارتبطت في نشأتها بالأحزاب السياسية؛ منذ الحركة الوطنية إلى (الآن) وبتأمل المرحلة ، وانعكاس نتائج حركيتها ونضالاتها ؟ يتبين لنا( الآن)الا فرق بين يمينها ويسارها ووسطها واعتدالها؛ حسب التقسيم السياسوي؛ وبعد التشكلات الحزبية؛ الموالية للفكر الليبرالي؛ و ظهور جمعيات كبرى من رحمها؛ ذات الصبغة الموافقة والمساهمة في تكريس ما جاءت به تلك الأحزاب؛ و برعاية من السلطة؛ وتشجيعها؛ ودعمها ماديا ومعنويا؛ لقد استطاعت استقطاب العَـديد من الفعاليات الثقافية والفنية؛ وتذويب بعض من الجمعيات الفنية والثقافية في كنفها ! ومحاصرة ؛ ممن يحمل هم  الفرد المواطن ؛ وتفاعله مع قضاياه الجوهرية؛ محاصرة ناعمة. والأمر تطور في سياق بناء ثقافة التهجين مدخله الهوية والتراث؛  ورغم ذلك؛ تم إضافة تأسيس جمعيات ؛ والتي يطلق عليها منظمات أو جمعيات  غير حكومية؛ كيف يطلق عليها [غير حكومية] وبدورها نالت رضى السلطة بشكل غير مباشر؛ و بدعم غير مسبوق منها ومن قبل مؤسسات دولية؛ وذلك لترويج واسترسال وترسيخ مفاهيم الثقافة الليبرالية؛ والتي تحولت ( الآن) لثقافة ” نيو ليبرالية” وذلك لإنماء السوق الاقتصادية؛ وهنا وقائع متعددة لا داعي لتفصيلها. ولاسيما أن المسألة مرتبطة بما أشرنا إليه سلفا؛ ومرورا بأن للفكر: الليبرالي ثلاثية: الدولة، المواطن والسوق متلازمة، فالمواطن والسوق حيّز عام وليس الدولة، وكل ما هو ليس حيّزاً عاماً هو حيّز خاص. والمجتمع المدني خارج الدولة قائم على اقتصاد السوق، ثم أصبح يرتبط بتوسيع حقوق المواطنة خارج الدولة (3) وفي هذا الإطار؛ فالمنطلقات التي تشير إلى أن الجمعيات والمنظمات هي : غير ربحية حسب قانون الحريات العامة ، وتمارس الفعل التطوعي الحر؛ ولها استقلالية حقيقية عن سلطة الدولة سواء من النواحي المالية أو الإدارية أو التنظيمية… كل هذا مقبول؛ من خلال مفهوم “السوق” وتفعيله ؛لأنه أصبح نموذج المجتمع ؛ ولكن في واقع الأمر؛ ليست هنالك استقلالية عن الدولة. ولهذا فلا يمكن للدولة أن تتخلى عن سيادتها ؛ رغم أن المجتمع هو الذي أوجدها(قول نظري) في المجتمع العربي؛ فبإزالتها أزيل المجتمع برمته ؛ وفي هذا الباب :إن الدولة هي المجتمع السياسي زائد المجتمع المدني (4). فالعلاقة هنا جدلية؛ لكن من يقيم ويسهر على المهرجانات [ الثقافية / الفنية] ومن المسؤول عنها أليس الدولة؟؟ وبالتالي فالتسلسل التدريجي؛ الذي مرت به – الدولة – عبر عدة محطات سياسية؛ أذابت في دواخلها المجتمع المدني؛ من خلال – التنمية – مما طفا الصمت على كل شيء، مما لم يعد أحد يتكلم عن المهرجان الوطني لمسرح الهواة(؟) وكيف أقبر ومن حمل نعشه (؟) ولم يعد أحد بشكل(جمعي) يصرخ أو يحتج عن نتائج الدعم المسرحي (؟) وإن أعجبني( الآن) ما أقدم عليه الإعلامي و الصديق ” أحمد بوعـروة” من فتح صفحة حوارية عن الدعم المسرحي(5) لكن العجيب( !) فالذين حاورهم كلهم نالوا حقهم من ( الدعم المسرحي؟)باستثناء الصديق ” محمد الأزهر” الذي تخلى عن المسرح ممارسة ، وتفـرغ لتدريس ” القانون” بعْـد تجربة مريرة في الجامعة الوطنية لمسرح الهواة. ولم يعقب عليهم أحَـد أو يكشف تهافتهم اللاهث عن الدعـم (؟)

أو عن هَـزالة العروض المشاركة في الدعم أو الترويج؟ ولم يعد أحد يكتب أو يطعن في اختيار اللجن؛ رغم معرفة تاريخ بعضهم؛ ومدى مساهمتهم في الميدان؟ ولم يعد أحد يرفع شعار [ لا ] للمحسوبية والحزبية والزبونية؟ ولم يعُـد أحد يكتب أو يناقش عن ظواهر مبتدعة؛ في بعض الأعمال؛ من كلام وألفاظ وإيحاءات جانحة عن الصواب وإشارات ساقطة كأننا في ماخور أو فضاء للدعارة حتى؛ أما الإسفاف والتشويه اللغوي ليس الفصحى بل حتى الدارجة ؟هاته بعض من المعطيات:  إنها الحساسية الجديدة (كما) يعتبرها بعض “التافهين” ! نعم (هي) حساسية جديدة :تبدو الآن مجرّد مقولة مطلقة السذاجة ؟ هل بها يحق لنا مناقشة الهوية والهوية الهاربة في المسرح ؟

ولاسيما أن المسرح لیس مجـرد وسیلة ترفیھیة، أو تنميط فكرة الفن للفن؛ ولكنه  نبع الحياة الإنسانية ؛ وعنده تلتقي وتتقاطع جميع الفنون ؛ متمركزا على الحصيلة المعرفية والإبداعية وعلى قـدرة الإنسان في الاستكشاف والتأمل؛ حينما كان ” المسرح” يعيش مشاغبة وحيوية؛ عبر مسالكه الطبيعية؛ وأبرزها المهرجانات والملتقيات والأيام المسرحية؛ بحيث كانت بكل (صدق) مكاسب لكل الفعاليات والمهتمين؛ رغم الوصاية من لدن القطاعات منها المباشرة وغير المباشرة، فأمست الآن بكل (مرارة) مطالب بصيغ مختلفة في الكواليس وفي جلسات نوستالجية  خالصة؛ بعدما ذهبت كل مكتسباتنا أدراج الرياح… فلماذا هذا التحول السوريالي ؟ أليس الأمر يحتاج لعِـدة لقاءات ودراسات مستفيضة وجريئة؛ للكشف عن دواعي هــذا التحول غير المستساغ في سياق الصيرورة التاريخية؛ والقبض على الاختلالات العميقة جدا !! فإن كان البعض يؤكد على نهاية التاريخ ؛ والبعض يجزم: بأن التاريخ لا يعيد نفسه (؟؟) فبوجود الدولة وعَـدم التخلي عن جزء من صلاحيتها لما يسمى بالمجتمع المدني( عندنا) ؟ هنا نتساءل السؤال الساذج: من يدعم المسرح الذي يقال عنه ( احترافي)هل المنظمات الدولية أو الشركات الحرة أم وزارة الشؤون الثقافية؛ ومن ينظم مهرجان مسرح الشباب؟ أليست كتابة الدولة لدى وزارة الشباب (؟؟) وبالتالي فالطروحات بمثابة أوهام؛ وممارسة تغليط معـرفي؛ في إطار المسرح في المغرب؛ وما يحيط به؛ تأكيدا أن التاريخ يعيد نفسه؛ فما معنى أن تكون لنا مكاسب لتتحول لمطالب؛ بعدما ساهمت فيها عـدة نضالات وكفاح أغلب المسرحيين؛ المتشبثين بالقضية المسرحية ¨ ؟¨  هنا ألا يحتاج المسرح إلى الوعي بذاته ومحاولة نقـد تجاربه؛ بكل الوسائل المتاحة والممكنة؛ بغية خلق مسار متغير ومتجدد؛ لتفادي إنتاج نفس الخطاب واجترار نفس الأزمة؛ ونفس طرق التفكير والممارسة.

فراهـن المسرح المغربي؛ يحتاج أساسا لموقف جاد وجـريء؛ بدل الصراعات الشبحية والوهمية. و النفخ في المفاهيم والأطروحات التي لا تحرك عجلته، فهل الذي يعـيش علـلا شبه مستعصية التشخيص( الآن) يحتاج لتجربة “كوبرنيكية” و”مسرح فيزيائي” ” ومناقشة الفرجة بين الشرق والغـرب؟ فالغـرب فينا بدون منازع والشرق حلم كأضغاث أحلام ! لأن المسرح في المغرب : مستاء من ذاته ؛ انطلاقا من لغة الصمت المتجـذرة ( الآن) في فضائه؛ واندحاره أمام أمواج الرقمنة والتكنولوجيا البديلة. وبالتالي ألا يمكن إعادة طرح إشكالاته بأساليب موضوعية ومعالجة معقلنة؛ بعيدا عن التشنج الواهم؛ والمصالح الذاتية والشحنات الإيديولوجية ؛ والرؤى السياسوية؛ التي لن تخدم الوضع المسرحي؛ ومحاولة إخراجه من قمم” الإنعاش” في إطار تشكلا ته الحالية ( التنظيم) الذي فرض تكتلات فريدة وغريبة وخطابات (متبلبلة) وأطروحات واستراتيجيات شوفينية ومناوئة تارة؛ وتابعة في أحايين؟ إسهاما في غـرس الفوضى؛ كما كانت في فضائه: الفوضى عندنا تبدي نيتها في ضرب استمرارية التاريخ؛ تكشف عن القوة الهدامة للوعي الجمالي(6).

الإستـئـناس:

1) حول الثقافة والمثقفين بقلم محمد الحبيب الفرقاني( الحلقة الأولى ) جريدة المحرر الثقافي السلسلة  

     الجديدة ع4 في 23/03/1980

2) إشكالية مفهوم المجتمع المدني لكريم أبو حلاوة ص74 دار الأهالي – دمشق – ط،/ الأولى/  1998

3) المجتمع المدني (دراسة نقدية) لعـزمي بشارة – ص11 – ط / الأولى: مركز دراسات الوحدة العـربية  

     –  لبنان/  بيروت، 1998.

4) إشكالية مفهوم المجتمع المدني لكريم أبو حلاوة – ص84

5) انظر لجريـدة : الأحداث المغربية – صفحة “حوارات بلا اقنعة” إعـداد:أحمد بوعروة

6) التغيير بين الثقافي والاجتماعي: مجلة الفكر العربي المعاصر ص 43 عدد39/ 1986

زر الذهاب إلى الأعلى