تعيش مدينة طنجة على وقع أزمة سياسية غير مسبوقة، بعد اعتقال نائب رئيس مقاطعة مغوغة المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، بتهم ثقيلة تشمل التزوير والنصب والاحتيال واستغلال أراضي وممتلكات الغير. هذه القضية التي فجرت صدمة وسط الرأي العام المحلي، كشفت عن اختلالات عميقة في تدبير الشأن العام، وأعادت إلى الواجهة سؤال المحاسبة والمسؤولية داخل التنظيمات الحزبية، خاصة مع صمت المنسق الإقليمي للحزب، “عمر مورو”، الذي لم يبادر بأي إجراء تأديبي أو توضيحي ملعن للرأي العام إلى حدود الساعة.
طنجة، التي طالما اعتُبرت خزانا للنخب السياسية الوطنية، تشهد اليوم تراجعا مقلقًا في صورة الأحزاب الحاكمة، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ظل حسب بعض الأنباء، مسنودًا بنفوذ انتخابي وإداري واسع في المدينة. غير أن هذا النفوذ بدأ يتآكل مع بروز ممارسات تتنافى مع مبادئ الشفافية، كان أبرز تجلياتها استغلال المنصب السياسي لتحقيق مكاسب شخصية، والعبث بممتلكات الغير.
قضية “البناي”، كما يُلقب بها نائب رئيس مقاطعة مغوغة المعتقل، لم تكن مفاجئة للمتتبعين، بقدر ما كانت نتيجة طبيعية لمسار طويل من الحصانة غير المعلنة التي وفّرتها له دوائر حزبية نافذة، وفق ما تؤكد النقاشات الدائرة بالصالونات السياسية
. فرغم الشكايات المتكررة، ظل الرجل في موقعه، محاطًا بشبكة من العلاقات التي حالت دون تفعيل القانون. لكن، ومع تولي رئيس جديد للنيابة العامة وإصراره على فرض القانون، تغير ميزان القوة، وأُجبرت الجهات القضائية على تسريع المساطر وإخراج الملف من دوائر النفوذ.
غير أن ما زاد من حدة الاستياء الشعبي هو غياب موقف صريح من المنسق الإقليمي للحزب عمر مورو، الذي التزم الصمت رغم جسامة التهم الموجهة إلى نائب رئيس المقاطعة. وهو موقف وصفه قيادي بالحزب بأنه “مخيب للآمال”، مضيفًا أن مورو كان عليه تجميد عضوية المستشار المتهم فورًا، حماية للحزب من أي شبهة قد تمس سمعته ومصداقيته، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي تتجه فيها الدولة إلى محاربة كل أشكال الفساد.
ويطرح هذا الصمت تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين بعض القيادات الحزبية وأعضاء المجالس المنتخبة، ومدى استقلالية القرار الحزبي عن المصالح الشخصية. فالرأي العام المحلي يتابع بقلق مصير هذه القضية، في وقت تتحدث فيه مصادر عن احتمال توسع دائرة التحقيقات لتشمل موظفين وشخصيات منتخبة يشتبه في تورطهم في تسهيل عمليات التزوير والاستيلاء على العقارات.
ويبدو أن حزب التجمع الوطني للأحرار في طنجة، بقيادة منسقه الإقليمي عمر مورو، بات اليوم في مواجهة مباشرة مع الرأي العام، بعد أن تحولت الفضيحة من حدث معزول إلى ملف يعكس أزمة أعمق في بنيات التنظيم وتدبير النخب. خاصة وأن التردد في اتخاذ مواقف حازمة قد يُفهم على أنه تواطؤ أو تساهل مع ممارسات فاسدة.
ومع اقتراب دورات المجالس المقبلة، وتصاعد الغضب الشعبي من هذا الصمت غير المبرر، تبدو كل الأنظار موجهة نحو ما إذا كان عمر مورو سيتخذ الخطوة السياسية الضرورية لتأكيد التزام الحزب بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، أم أنه سيستمر في تجاهل العاصفة، ويغامر بصورة الحزب في واحدة من أهم حواضره الانتخابية.
في ظل هذا الوضع المتأزم، تتعاظم التوقعات بأن تشهد التحقيقات تطورات جديدة قد تطيح بأسماء إضافية، ما قد يزيد من حرج الحزب إقليميًا ووطنياً، ويُحوّل فضيحة “مغوغة” إلى اختبار علني لنزاهة القيادة السياسية ومدى استعدادها لقطع الطريق على الفساد داخل صفوفها.