كما كان منتظرًا، دخل المجلس الجماعي لمدينة أصيلة، الذي يترأسه الدكتور طارق غيلان عن حزب الأصالة والمعاصرة، مرحلة من التيه والارتباك الداخلي، رغم المجهودات التي تُبذل على مستوى العلاقات الخارجية من خلال عقد لقاءات وزيارات مع مؤسسات وطنية ودولية. إلا أن هذه الدينامية لم تستطع حجب الأزمة السياسية المتفاقمة داخل المجلس، والتي يقودها في الغالب مستشارون ينتمون إلى الحزب ذاته الذي يرأس الأغلبية المسيرة.
ويؤكد متابعو الشأن المحلي أن حدة الأزمة داخل المجلس تتزايد مع توالي الاستقالات من مواقع المسؤولية داخل اللجان الدائمة، ما يعكس خلافات حادة ومتسارعة بين مكونات الأغلبية، عقب التحالف الجديد الذي أنتج المكتب الحالي خلفًا للراحل محمد بن عيسى. فقد وجد المكتب المسير نفسه في وضعية ارتباك تنظيمي، وسط غياب أي مبادرات ملموسة لتطويق الخلافات المتراكمة واحتواء حالة التوتر الداخلي.
في هذا السياق، برزت استقالة المستشار الجماعي إلياس أزعار من رئاسة لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة، وهي استقالة مؤرخة في 8 يوليوز الجاري، وقد جاءت حسب نصها لأسباب موضوعية، محمّلًا من خلالها المكتب المسير مسؤولية ما وصفه بـ”هدر المال العام وتغييب آليات التشاور”. وأكد أزعار أن لجنة الميزانية لم تعد سوى واجهة شكلية، في ظل هيمنة عدد محدود من الأعضاء على القرار المالي وغياب التفاعل مع الرأي المعارض داخل الأغلبية.
الاستقالات لم تتوقف عند هذا الحد، بل شملت أيضًا مستشارين آخرين من الأغلبية؛ إذ قدم كل من محمد عتيق كرامة، رئيس لجنة التعمير وإعداد التراب الجماعي، وبشرى اليافي، رئيسة لجنة التنمية الاقتصادية والثقافية والسياحية والاجتماعية، استقالتهما، ما يدل على تعمق الأزمة التنظيمية داخل المجلس، وانكشاف هشاشة التحالف السياسي الذي أفرز المكتب الحالي.
وتظهر هذه التطورات فشلًا واضحًا في تدبير الخلافات داخل حزب الأصالة والمعاصرة محليًا، في ظل غياب مكتب محلي فعّال بمدينة أصيلة، وهو ما يُعاب على القيادة الجهوية للحزب، التي لم تتمكن من هيكلة التنظيم محليًا بعد وفاة محمد بن عيسى في فبراير الماضي. ويؤكد المهتمون بالشأن المحلي أن فشل القيادة الإقليمية والجهوية في معالجة هذه التصدعات يُنذر بانهيار تنظيم سياسي حاز الأغلبية لتدبير الشأن المحلي، لكنه عجز عن الصمود أمام أولى الاختبارات الداخلية.
وفي ظل تواصل الانقسامات، يعتبر العديد من المتابعين أن الأزمة الحالية تعكس اهتزاز التفاهمات التي أُسست عليها تركيبة المجلس بعد مرحلة بن عيسى، لا سيما أن التوترات لم تعد حبيسة الكواليس، بل تحولت إلى مواقف موثقة بالاستقالات والبلاغات، دون أن تُبادر رئاسة المجلس إلى تقديم أي توضيح رسمي أو إطلاق مساعٍ حقيقية لاحتواء الأزمة.
ووفق معطيات حصلت عليها جريدة “شمال بوست”، فإن الخلافات داخل المجلس لا ترتبط فقط بطبيعة التحالف السياسي الجديد، خصوصًا بعد انضمام حزب الاتحاد الدستوري إلى الأغلبية، بل إن هذه الخلافات اتخذت طابعًا شخصيًا مغلفًا بخطاب سياسي، ما أضعف تماسك حزب الأصالة والمعاصرة محليًا، خاصة أمام تعثر توزيع التفويضات وغياب الوضوح في تحديد المسؤوليات.
منذ انتخاب المكتب الجديد، بدأت مظاهر الانقسام تطفو على السطح، سواء من خلال تباين المواقف حول ترتيب الأولويات أو عبر الاعتراضات المتكررة داخل اللجان، التي اشتغلت في أجواء غير مستقرة بسبب غياب التنسيق والدعم من الرئاسة لتنفيذ توصياتها. ويزداد الوضع السياسي تعقيدًا داخل المجلس، في ظل ما يعتبره بعض المستشارين المحسوبين على الحزب “غياب رؤية إصلاحية” وانعدام أية خطوات ملموسة لتجاوز الأزمة، سواء عبر إعادة هيكلة العمل الداخلي أو مراجعة آليات التسيير، ما يجعل كل تأخير في المعالجة سببًا إضافيًا لتعميق التوتر.
وتفيد المعطيات التي توصلت بها “شمال بوست” أن استمرار الصمت من طرف الأمين الجهوي للحزب عبد اللطيف الغلبزوري، إلى جانب الأمين الإقليمي منير الليموري، يزيد الوضع تأزيمًا، حيث يُرتقب أن يُقدم ما يقارب 13 مستشارًا جماعيًا من أصل 22 ينتمون لحزب الأصالة والمعاصرة على تجميد عضويتهم قبل دورة أكتوبر المقبلة، إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لمعالجة الوضع.
غير أن الغموض ما يزال يلفّ مواقف القيادة الإقليمية والجهوية للحزب، ما يطرح أكثر من سؤال حول قدرة الغلبزوري على إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز هذا الوضع المتأزم، أم أن الأمور ستظل تراوح مكانها حتى إشعار آخر.