Web Analytics
أخبار الشمال

كلية العلوم القانونية بمرتيل في قلب العاصفة.. إرث ثقيل من الفساد واختلالات مستمرة

"أبوجي".. نظام رقمي تحت السيطرة

تعيش كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل منذ سنوات على وقع اختلالات خطيرة طالت مجالات حيوية من التدبير الإداري والبيداغوجي، وسط صمت يثير الريبة من طرف المسؤولين الجامعيين والمركزيين. ورغم تعاقب المسؤولين، إلا أن ملامح الفساد، التي بدأت بشكل ممنهج في فترة العميد السابق الراحل فارس حمزة، ما تزال ترخي بظلالها على المؤسسة، وتُفرغ مبدأ الاستحقاق من معناه الحقيقي.

يُجمع عدد من الأساتذة والطلبة والفاعلين النقابيين أن فترة العميد السابق فارس حمزة كانت الأكثر سواداً في تاريخ الكلية. ففي عهده، تم التأسيس لأسلوب جديد في التسيير قائم على المحاباة، التلاعب بالنتائج، وتوسيع هامش النفوذ الإداري على حساب القوانين، وهو ما خلق بيئة حاضنة للفساد الذي استمر حتى بعد رحيله.

وتشير شهادات متقاطعة معززة بأدلة حصلت عليها شمال بوست، إلى أن مجموعة من الإداريين الذين راكموا سلطات غير رسمية خلال تلك المرحلة، لا يزالون فاعلين رئيسيين في ما يشبه “نظام موازٍ” داخل الكلية، يُملي قواعده بعيداً عن الرقابة والمساءلة.

“أبوجي”.. نظام رقمي تحت السيطرة

النظام الرقمي المعتمد في تدبير نقط الطلبة، المعروف بـ”أبوجي”، تحول بدوره إلى أداة في يد بعض الموظفين المحسوبين على لوبيات داخلية، حيث يتم التلاعب بالنقط والتغييرات دون رقيب. وبحسب معطيات موثوقة حصل عليها الموقع، فإن “سوق النقط” بات واقعاً مريراً، يُستغل فيه الطلبة الذين يجدون أنفسهم تحت رحمة سماسرة داخل الحرم الجامعي.

فبعدما كان يُفترض أن يشكّل نظام “أبوجي” أداة لتحديث تدبير نقط الطلبة وضمان الشفافية، لكن داخل كلية العلوم القانونية بمرتيل، تحوّل إلى منصة يُتحكم فيها بعيداً عن أي مراقبة.

مصادر من داخل الكلية أكدت أن التلاعب بالنقط كان يتم بشكل متكرر، سواء بتغيير نتائج أو بإدخال تعديلات مشبوهة بعد انتهاء التصحيح، دون المرور عبر الأقسام البيداغوجية.

اللافت أن من كان يملك صلاحيات مطلقة في التعديل والإدخال، غادر الكلية مؤخراً نحو رئاسة جامعة عبد المالك السعدي، مما يطرح تساؤلات عن غياب المحاسبة وانتقال “التحكم” بدل التحقيق.

طلبة تحدّثوا عن “وسطاء داخليين” كانوا يسعون إلى تغيير النقط مقابل المال أو النفوذ، فيما تؤكد شهادات أخرى أن بعض النتائج تتبدل بعد الطعون دون إشعار رسمي، ما يؤشر على وجود سوق موازية سرية داخل النظام.

ورغم كل هذه المؤشرات، لم تُفتح لحد الساعة أي لجنة افتحاص داخلي أو مساءلة حقيقية لما جرى داخل نظام “أبوجي” في السنوات الفارطة، مما يجعل هذا الملف من أخطر بؤر الاختلال داخل المؤسسة.

أحد الطلبة الذين رفضوا الكشف عن هويتهم أكد:

“أحياناً تكتشف أن زميلك الذي لم يحضر أي امتحان حصل على نقطة تفوقك، ولا تجد تفسيراً لذلك… إلا أن تكون جاهلاً بما يدور وراء الكواليس”.

نقطة أخرى تثير الجدل هي عملية اختيار وانتقاء الطلبة المقبولين بسلك الماستر، والتي فقدت منذ سنوات مقومات الشفافية. وفق مصادر من داخل الكلية، فإن عدداً من الطلبة جرى قبولهم بملفات ناقصة، أو بمعدلات متدنية، أو وثائق تفتقد للمعادلة العلمية، فقط لكونهم ينتمون إلى تنظيمات سياسية معيّنة أو تجمعهم صلات بمسؤولين إداريين أو حزبيين نافذين بالمنطقة.

هذا الوضع دفع عدداً من الأساتذة إلى الامتناع عن الإشراف على بعض المسالك، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”اغتيال الكفاءة”، فيما يرى مهتمون بالشأن الجامعي أن شهادة الماستر فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها الاعتبارية بسبب هذه الممارسات.

اللافت أن وزارة التعليم العالي سبق أن أوفدت لجنة تفتيش إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، كشفت اختلالات مالية وبيداغوجية وإدارية موثقة. غير أن السؤال الذي يطرحه الجميع هو: متى تُوفَد لجنة مماثلة إلى كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل رغم كثافة المؤشرات المثيرة للقلق؟

هل هناك تواطؤ ضمني مع ما يجري؟ أم أن “الغطاء السياسي” لبعض الأطراف يمنحهم حصانة مؤقتة أمام المساءلة ؟

تستعد شمال بوست لنشر سلسلة جديدة من المقالات تتعلق بشخصيات تنتمي لمؤسسات حزبية في الشمال، يشتبه في تورطها في التوسط لتسجيل طلبة في الماستر أو تعديل نتائجهم، مستغلة بذلك نفوذها داخل محيط الكلية. بعض هؤلاء المسؤولين استغلوا مناصبهم لفرض منطق الريع الأكاديمي، بل وابتزاز بعض الطلبة بدعوى “التسهيل والتدخل”.

ملفات مفصلة ستُنشر لاحقاً، وستحمل، “مفاجآت ثقيلة” على أكثر من مستوى.

ما يحدث داخل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل، إن لم تتم مواجهته بحزم ومسؤولية، يهدد بإفراغ المؤسسة من دورها العلمي والأكاديمي، ويُعمّق فقدان الثقة في التعليم الجامعي العمومي.

إنه اختبار حقيقي لوزارة التعليم العالي، ولرئاسة الجامعة، ولكل من يدّعي الدفاع عن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ويريد الخير لهذا الوطن.

في النهاية، تظل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل مؤسسة أكاديمية ذات إشعاع وطني، ومن مصلحة الجميع ـ إدارةً وأساتذةً وطلبة ـ الدفع نحو تحسين الحكامة الداخلية وتعزيز آليات المراقبة والتدقيق، حمايةً لمصداقية الشهادات وضمانًا للعدالة التربوية.

المساءلة الشفافة لا تعني الإدانة، بل تعكس الحرص على الإصلاح واحترام القانون.

زر الذهاب إلى الأعلى