رغم أن العد التنازلي لانطلاق الانتخابات التشريعية المقبلة لم يبدأ رسميًا، إلا أن الاستعدادات الميدانية والاتصالات خلف الكواليس انطلقت مبكرًا بإقليم تطوان، حيث يبدو أن مشهد توزيع المقاعد البرلمانية الخمسة بدأ يتبلور بشكل شبه نهائي، في انتظار الحسم بشأن المقعد الخامس الذي ما يزال مفتوحًا على عدة سيناريوهات.
خريطة التحكم تبدأ من العالم القروي
في تطوان، جرت العادة أن يتحكم الوزن الانتخابي للجماعات القروية في مخرجات الصندوق، إذ تبقى القاعدة الذهبية أن “من يمتلك أكبر عدد من الجماعات، يضمن المرور إلى قبة البرلمان”، بينما يبقى المرشحون الحضريون في موقع هش إذا لم يسندهم دعم قروي قوي.
وبحسب نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2021، والتي شهدت مشاركة 58.41% من الناخبين المسجلين بإقليم تطوان، فقد تم حسم أربعة مقاعد لصالح الأحزاب ذات الامتداد القروي الوازن، في حين بقي المقعد الخامس محط تنافس محتدم بين عدة أطراف.
حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يتصدر المشهد القروي برئاسته لـ12 جماعة قروية بالإقليم، ضمن أحد مقعديه البرلمانيين من خلال مرشحه العربي أحنين، المعروف بتجربته البرلمانية الطويلة وشبكة دعمه في الوسط القروي.
في المقابل، يستند حزب التجمع الوطني للأحرار إلى نفوذه في المدينة وجماعات قروية كبرى (يترأس سبع جماعات، بينها جماعة تطوان الحضرية) ليحسم بدوره المقعد الثاني، الذي يتوقع أن يظفر به من جديد، رشيد الطالبي العلمي.
المعطيات المتقاطعة تشير إلى أن رئيس المجلس الإقليمي لتطوان، إبراهيم بنصبيح، بات مرشحًا وازنًا للمقعد الثالث، وقد يترشح باسم حزب الحركة الشعبية بدلًا من الأصالة والمعاصرة، تفاديًا لأي تنازع مع زميله العربي أحنين. وتدعم ساكنة زاوية سيدي قاسم ومحيطها وشريحة واسعة من الفعاليات السياسية، بقوة ترشيحه، في ظل شبكة علاقات متينة راكمها الرجل خلال تجربته التدبيرية.
بالنسبة للمقعد الرابع، تُجمع معطيات ميدانية على أن منصف الطوب، البرلماني الحالي عن حزب الاستقلال، يتمتع بقاعدة وشعبية انتخابية صلبة في مدينة تطوان، مدعومة بترافعه المتواصل عن قضايا المدينة داخل البرلمان، وانخراطه في عدد من المبادرات الاجتماعية. ورغم أن حزب الاستقلال لا يرأس سوى جماعة قروية واحدة (جماعة الحمراء بني حسان)، إلا أن شعبيته في الوسط الحضري تعوض ضعف الامتداد القروي.
يبقى المقعد الخامس الأكثر غموضًا، حيث يتقدم حميد الدراق، البرلماني المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كأبرز المرشحين للظفر به، رغم ما يعانيه الحزب من انقسام داخلي على الصعيد المحلي، وانكماش تأثيره بسبب استمرار إدريس لشكر في قيادة الحزب رغم اعتراضات واسعة.
ويُراهن الدراق على رصيده الشخصي لدى شريحة من سكان تطوان، إضافة إلى دعم جماعتين قرويتين يترأسهما الحزب، لكن المهمة لن تكون سهلة، ما لم يتم تجاوز حالة التشظي الداخلي وإعادة بناء الحد الأدنى من الوحدة التنظيمية.
من جهة أخرى، يواصل كل من حزب العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري محاولة إيجاد موطئ قدم في معركة المقعد الخامس، إلا أن حضورهما الميداني ظل باهتًا. فالعدالة والتنمية لم يتعافَ بعد من الصدمة الانتخابية الكبيرة التي تلقاها سنة 2021، حين حصل على 1.7% فقط من أصوات الناخبين بدائرة تطوان، عقابًا له على حصيلة عشر سنوات من التسيير المحلي التي خلفت استياءً عامًا.
أما الاتحاد الدستوري، الذي كان يمثله نور الدين الهروشي، فلا يزال اسمه مرتبطًا في أذهان الناخبين بملفات قضائية وأخبار المحاكم، ما أثر سلبًا على صورة الحزب، وقلّص حظوظه في العودة بقوة.
رغم أن الصورة الأولية توحي بحسم مبكر لأربعة مقاعد، فإن الأشهر القليلة القادمة قد تحمل مفاجآت غير متوقعة، خصوصًا في ظل التحركات الصامتة التي تقودها بعض الأحزاب، ومحاولات استقطاب الوجوه المؤثرة ميدانيًا. ويُتوقع أن تشهد دائرة تطوان، ذات الخمسة مقاعد، تنافسًا حادًا يوازن بين منطق التحالفات القروية والقاعدة الحضرية، وسط رهانات على رفع نسبة المشاركة وتحقيق تمثيلية تعكس تطلعات الساكنة في التنمية والعدالة الاجتماعية.