منذ الإطاحة بالعميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، الدكتور الطيب الوزاني الشاهدي، إثر تقارير داخلية كشفت عن اختلالات تدبيرية ومالية وبيداغوجية، بدأت الأسئلة تتكاثر أكثر من الأجوبة في محيط جامعة عبد المالك السعدي، وخصوصًا داخل أروقة المؤسسة الجامعية، التي لا تزال تعاني من إرث ثقيل خلّفه العميد الأسبق مصطفى الغاشي، واستمر خلال فترة العميد المعزول، في غياب أي محاسبة واضحة للمسؤولين أو إعلان عن نتائج التحقيقات.
فساد متراكم و”حُماة الامتيازات”
وفق مصادر متطابقة من داخل الكلية، فإن عددًا من المسؤولين الإداريين والتقنيين الذين ارتبطت أسماؤهم باختلالات مالية جسيمة خلال فترة الغاشي، ما زالوا يواصلون عملهم في المناصب نفسها، ويدبرون الملفات الحساسة، وفي مقدمتها ميزانية المؤسسة وصفقات الخدمات. وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى التغيير في ظل غياب تطهير إداري حقيقي.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر فيه فتح تحقيق نزيه بشأن هذه الصفقات المشبوهة، جرى – وفق مصادر من مجلس الكلية – التستر على ملفات ظلت لسنوات تثير استياء ممثلي الأساتذة والطلبة داخل الهيئات التقريرية، دون أن تجد طريقها إلى القضاء.
صفقات الاتصالات: ديون بالملايين وخدمات مفقودة
من بين أبرز هذه الملفات ما أصبح يُعرف بـ”فضيحة صفقات الاتصالات”، التي شملت اتفاقيات أبرمتها الكلية مع شركات مثل “أورنج” و”اتصالات المغرب” خلال عهد العميد الغاشي، واستمرت تبعاتها خلال ولاية خلفه، دون أن يتم تسوية مستحقات تلك الشركات لأكثر من أربع سنوات.
وقد دفع تراكم الديون بعض الشركات إلى مقاضاة الكلية، في حين أقدمت أخرى على قطع خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة، ما تسبب في شلل شبه تام للبنية الرقمية داخل المؤسسة.
فهل يُعقل أن تظل كلية جامعية عمومية، في سنة 2025، بدون ولوج إلى الإنترنت؟ وأين صُرفت الاعتمادات المالية المخصصة لهذا القطاع الحيوي؟ أسئلة مشروعة تضعها مكونات الكلية أمام الرأي العام، في ظل غياب أي توضيحات رسمية من رئاسة الجامعة أو وزارة التعليم العالي.
شركات عائلية… وصفقات خارج أسوار الكلية
كشفت التحقيقات أيضًا عن مسار عدد من الصفقات التي وُصفت بـ”الوهمية”، والتي منحت لمقاولات تربطها علاقات عائلية بمسؤول إداري بارز داخل الكلية، دون أن تترك أثرًا ملموسًا على أرض الواقع.
وأكدت مصادر من لجنة تتبع الميزانية أن بعض هذه الخدمات نُفذت في شقق ومنازل خاصة، خارج الكلية، بينما لا يوجد أي أثر فعلي لتنفيذ صفقات أخرى، ما يرجح فرضية التلاعب بالمستندات وتضخيم الفواتير.
والأخطر، بحسب المصادر نفسها، أن المسؤول المعني يسابق الزمن حاليًا لاسترجاع أرباح تلك الشركات، في وقت تغيب فيه الرقابة الحقيقية والتحقيقات المالية الجادة.
فشل مؤسساتي وغياب المحاسبة
ورغم النداءات المتكررة من مجلس الكلية ولجنة تتبع الميزانية بضرورة فتح تحقيق قضائي ومحاسبة المتورطين، فإن الوضع لا يزال يراوح مكانه، وسط صمت الجهات الوصية على القطاع.
ويؤكد العديد من الفاعلين في الحقل الجامعي أن عودة الكلية إلى مسارها الطبيعي تمر أولًا عبر تدخل النيابة العامة المختصة في جرائم الأموال، وفتح ملفات الفساد الموثقة، وترتيب الجزاءات والمسؤوليات، مهما علا شأن المتورطين.
في انتظار العدالة
ويبقى السؤال الجوهري الذي يشغل الرأي العام الجامعي: هل ستظل كلية الآداب بمرتيل رهينة لشبكات فساد متجذرة؟ أم أن النيابة العامة ستتدخل لحماية مؤسسة يُفترض أن تكون منارة للعلم، لا بؤرة للهدر والريع؟
وفي غياب إجابات واضحة، يظل الطلبة والأساتذة والعاملون ينتظرون اليوم الذي تتكسر فيه جدران الصمت، ويُفتح فيه الباب أمام تحقيق نزيه يعيد الاعتبار لإحدى أعرق المؤسسات الجامعية في شمال المغرب.