مع اقتراب الانتخابات التشريعية لسنة 2026، بدأت ملامح المنافسة السياسية تتضح شيئًا فشيئًا بدائرة شفشاون، إحدى أهم الدوائر الانتخابية في شمال المغرب، حيث يُرتقب أن تحمل هذه المحطة تغييرات كبيرة على مستوى النخب التمثيلية، في ظل تزايد المطالب الشعبية بضرورة القطع مع الوجوه القديمة، وتجديد الخطاب السياسي بما يتماشى مع انتظارات الساكنة المحلية.
وبينما تحجز أحزاب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي مواقعها في واجهة التنافس إضافة إلى أحزاب أخرى تعد نفسها للمنافسة، تظل أسماء المرشحين موضوع نقاش محتدم داخل الرأي العام، خاصة مع صعود شخصيات شابة ذات كفاءة وخطاب تنموي واعد.
صعود أسماء شابة يُربك الحسابات التقليدية
من بين أبرز الأسماء المتداولة، تبرز أسماء شابة في حزب الاستقلال مرغوب فيها من قبل الساكنة، كما يحدث في حزب الأصالة والمعاصرة والمعاصرة مع عبد الحي الطيار كوجه شاب بدأ يستقطب اهتمام الناخبين، خصوصًا في صفوف الشباب والمثقفين، الباحثين عن بدائل حقيقية بعد سنوات من التمثيلية الضعيفة التي لم تقدم إضافة نوعية لقضايا الإقليم.
بالمقابل، تعيش بعض الأحزاب التقليدية على وقع رفض داخلي وامتعاض شعبي من بعض مرشحيها، خاصة في حالة “عبد الرحمان العمري” عن التجمع الوطني للأحرار، حيث يواجه انتقادات واسعة بسبب ما يُعتبر غيابًا عن الساحة المحلية وضعفًا في الأداء التشريعي.
وفي المقابل، يُجمع عدد كبير من المتتبعين على عدم وجود بديل للأمين البقالي الطاهيري، المقترح من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي راكم تجربة سياسية وميدانية لاقت استحسان فئات غير قليلة من السكان، رغم وجود انتقادات واسعة لحزبه أولا لاستمرار كاتبه الأول على رأس الحزب، وثانيا بسبب تحويله لحزب القوات الشعبية إلى لمدشر عائلي خاصة في جماعة فيفي.
أربعة مقاعد على المحك وسط معركة غير محسومة
تخصص دائرة شفشاون أربعة مقاعد في مجلس النواب، وتشهد دائمًا تنافسًا حادًا بين الأحزاب الأربعة الكبرى. لكن المعطيات الميدانية الحالية تشير إلى أن ميزان القوى قد يتغير بفعل الصعود المحتمل للأسماء الجديدة، وبسبب تراجع شعبية بعض الوجوه القديمة.
ورغم أن بعض الأحزاب ما زالت تشتغل بمنطق الزعامة التقليدية والنفوذ العائلي، فإن جزءًا مهمًا من الكتلة الناخبة، خاصة في المراكز الصغيرة والمناطق الجبلية النائية، بات أكثر وعيًا بأهمية التغيير وربط التصويت ببرامج قابلة للتنفيذ لا بالشعارات أو الولاءات القبلية.
التهميش الاقتصادي والجغرافي يعمق معاناة شفشاون العميقة
يمتد إقليم شفشاون على رقعة جغرافية واسعة يغلب عليها الطابع الجبلي، ويضم عشرات المراكز القروية التي تعاني من تهميش اقتصادي حاد وهشاشة بنيوية في البنية التحتية والخدمات الأساسية. ولا تزال عشرات الدواوير تعاني من ضعف الولوج إلى الماء الصالح للشرب، ورداءة الطرق، وغياب النقل المدرسي، فضلًا عن خصاص مهول في المراكز الصحية والأطر الطبية.
وتُعد هذه العوامل من بين الأسباب العميقة لنفور فئات واسعة من السكان من العملية الانتخابية، خاصة حين يشعر المواطنون بأن تمثيليتهم داخل البرلمان لا تُترجم إلى مشاريع واقعية أو ترافع جدي أمام مؤسسات الدولة.
في الوقت نفسه، تعيش المنطقة على وقع ارتفاع نسب البطالة، خصوصًا في صفوف الشباب، مع غياب الاستثمارات الجادة في الفلاحة الجبلية والصناعة التحويلية والسياحة البيئية، ما يدفع الكثيرين للهجرة نحو المدن الكبرى أو الخارج.
هل يحمل استحقاق 2026 بارقة أمل جديدة؟
أمام هذا الواقع، تبرز الانتخابات التشريعية المقبلة كمفصل حاسم في رسم ملامح مستقبل الإقليم، بين من يسعى لتجديد الدماء السياسية والدفع بمرشحين ميدانيين ملتزمين بقضايا المواطنين، ومن يُراهن على الحفاظ على المقاعد بذات الأساليب المعهودة.
وإذا كانت التحديات التنموية والاجتماعية واضحة للعيان، فإن الرهان الأهم سيكون على مدى قدرة الأحزاب على الإنصات للتحولات العميقة في المزاج الانتخابي المحلي، وتزكية مرشحين يمتلكون من الكفاءة والشرعية الشعبية ما يؤهلهم لحمل قضايا شفشاون إلى قلب النقاش الوطني، وليس الاكتفاء بلعب أدوار رمزية تحت قبة البرلمان.