Web Analytics
أخبار الشمال

حملت من والدها ثلاث مرات… مأساة فتاة معاقة تهز شفشاون وتكشف فشل نظام الحماية

في مشهد يختصر قسوة الواقع وعنف الصمت، تفجّرت بجماعة تنقوب نواحي شفشاون قضية إنسانية مؤلمة، بعدما تم الكشف عن تعرض فتاة من ذوي الإعاقة الذهنية لاعتداءات جنسية متكررة على يد والدها، أدّت إلى حملها منه ثلاث مرات خلال عقد من الزمن.

القضية التي باشرت بشأنها مصالح الدرك الملكي تحقيقاً قضائياً، لم تهز فقط سكان المنطقة، بل أثارت غضبًا واسعًا في الرأي العام، نظراً لخطورة الجرم المرتكب، وامتداده الزمني، وغياب أي تدخل مؤسساتي رغم المؤشرات المتكررة.

ووفق  المعطيات الناتجة عن التحقيقات الأولية فإن  الجاني، وهو والد الضحية، بدأ استغلالها الجنسي منذ حوالي سنة 2014، حين كانت لا تزال قاصراً وتعاني من إعاقة ذهنية واضحة. استغل الأب هشاشتها وعدم قدرتها على الفهم أو المقاومة، وفرض عليها علاقة مشوّهة تقوم على الخضوع التام، في ظل غياب رقابة أسرية أو اجتماعية أو مؤسساتية.

وحينما ظهرت علامات الحمل في المرتين الأولى والثانية، كان الأب يلجأ إلى الإجهاض السري، مدّعياً أن ابنته ضحية اغتصاب من طرف مجهولين. لكن في المرة الثالثة، وبعدما وضعت الضحية مولودًا حيًّا، حاول الأب التخلص منه بطريقة صادمة، إذ تركه داخل حافلة للنقل العمومي بمدينة تطوان. هذه الخطوة كانت بداية تفكك جدار الصمت.

وتضيف ذات المعطيات، أنه بعد إبلاغ الركاب عن الواقعة، فتحت السلطات تحقيقًا مستعجلًا، وتم إخضاع الرضيعة لفحص الحمض النووي، الذي أثبت بشكل قاطع أن والد الفتاة هو الأب البيولوجي للمولود. هذه النتائج العلمية دفعت المتهم إلى الإقرار بجريمته، كاشفًا عن سنوات من الاعتداء والتستر والتهرّب من المحاسبة.

التحقيقات مستمرة حالياً بإشراف النيابة العامة المختصة، التي تسعى لتحديد ملابسات الجريمة، والفترة الزمنية الدقيقة التي بدأ فيها الاستغلال، وحالات الحمل السابقة، كما يتم البحث في ما إذا كانت هناك جهات على علم بالجريمة واختارت الصمت أو التساهل.

نظام حماية غائب… وأسئلة مؤجلة

الواقعة كشفت هشاشة نظام الحماية الاجتماعية والقانونية في المناطق القروية، خاصة بالنسبة للفئات الهشة. فكيف يعقل أن تظل طفلة في وضعية إعاقة تتعرض لحمل ثلاث مرات، دون أن تلتفت إليها لا المدرسة، ولا المركز الصحي، ولا حتى الجيران؟

تقول فاطمة.م، فاعلة جمعوية في مجال الإعاقة:

“ليست الفتاة وحدها ضحية الأب، بل هي ضحية مجتمع بكامله: صمت الأسرة، غياب تدخل مؤسسات الحماية، ضعف التكوين في الوسط المدرسي والطبي. هذه الفتاة عاشت عشر سنوات من الجحيم تحت سقف بيت يُفترض أن يكون مصدر الأمان.”

وتطرح الحادثة تساؤلات أخلاقية وقانونية كثيرة: أين كانت السلطات الصحية؟ وأين دور أعوان السلطة؟ وهل فعلاً هناك تواطؤ بالصمت في بعض الحالات؟ ثم كيف نضمن أن فتيات أخريات في وضعيات مشابهة لا يعشن الجحيم نفسه، خلف أبواب موصدة في دواوير المغرب العميق؟

أبعاد نفسية واجتماعية

بحسب متخصصين في الصحة النفسية، فإن الحالة تعتبر من بين الأشد تعقيداً، نظراً لتراكم الصدمة، وتداخلها مع علاقة الأبوة البيولوجية. الضحية لا تملك الأدوات العقلية أو العاطفية لفهم ما جرى لها، وهي اليوم أمام واقع مركب: أم لطفل لا تدرك كيف جاء، وضحية لوالد يجب أن يحميها.

الرضيعة التي وُضعت حديثاً وُضعت بدورها تحت رعاية خاصة، لكن مصيرها لا يزال معلقاً بين إجراءات الدولة ومحدودية الموارد في المنطقة، ما يطرح إشكالات تتعلق بكيفية مواكبة مثل هذه الحالات على المدى المتوسط والطويل.

دعوات للمحاسبة والإصلاح

جمعيات حقوقية ونسائية طالبت بفتح تحقيق موسع لا يقتصر على الجاني فقط، بل يشمل كل من كان على علم بالواقعة أو تجاهل مؤشرات الخطر. كما طالبت بتوفير مراكز إيواء ومرافقة نفسية في المناطق القروية، وتعزيز آليات التبليغ والحماية للأشخاص ذوي الإعاقة.

في المقابل، يرى مختصون أن الدولة مطالَبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتفعيل برامج الرصد المبكر لحالات الاستغلال، وتمكين الأطر المحلية من تكوين ملائم للكشف عن علامات الاعتداء، خصوصاً وسط الفئات التي لا تستطيع التعبير عن الألم.

قضية فتاة تنقوب ليست فقط جريمة فرد، بل مأساة نظام حماية غائب. طفلة وُلدت ضعيفة، فوجدت نفسها في قبضة من يفترض أنه سندها. حملت من والدها ثلاث مرات، واحتُجزت سنوات في صمت. والآن، وقد تكسّر جدار الخوف، يبقى السؤال: كم من فتاة أخرى تنتظر من يُنقذها؟

زر الذهاب إلى الأعلى