Web Analytics
غير مصنف

“بني مكادة.. مقاطعة فوق صفيح سياسي ساخن: اتهامات بالفساد وصراعات قديمة تتجدد بين الحميدي والحمامي

صراع سياسي في بني مكادة: دورة مشحونة تكشف عمق الأزمة

بقلم المختار لعروسي-شمال بوست:

في مدينة طنجة، وتحديدًا بمقاطعة بني مكادة، أكبر مقاطعة جماعية في المغرب من حيث الكثافة السكانية وعدد المنتخبين، تابع الرأي العام المحلي فصلًا جديدًا من فصول التوتر السياسي المتنامي، والذي بات يطبع أشغال مجلس المقاطعة بشكل دوري.

فبعد تعذر انعقاد دورة يونيو العادية في جلستين متتاليتين بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، كان من المفترض أن تُعقد قبل عطلة عيد الأضحى، التأمت الجلسة الثالثة أخيرًا بمن حضر، وسط أجواء مشحونة، اتسمت بالتوتر وتبادل الاتهامات، وتخللتها لحظات كلام مستفز تجاوز في بعض الأحيان حدود اللباقة والمسؤولية.

منبر الاتهامات… والسجال الساخن
تحولت الجلسة إلى ساحة مواجهة كلامية، ساهم فيها بشكل بارز المستشار عبد السلام العيدوني وعضو حزب الأصالة والمعاصرة امحمد الحميدي، الذي وجه انتقادات لاذعة لرئيس المقاطعة، متهماً إياه بـ”سوء التدبير” و”تشجيع البناء العشوائي”، ومعتبراً أنه لا يواكب تطلعات الساكنة ولا يساهم في تنزيل الرؤية التنموية للمدينة، التي تستعد لمحطات وطنية كبرى.

غير أن هذه الاتهامات لم تمر دون مساءلة مضادة، إذ سارع متتبعون إلى التذكير بسجل الحميدي السياسي والقضائي، خاصة بعد إدانته في ملف معروض أمام غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، يتعلق بتجاوزات خلال ترؤسه لغرفة الصناعة التقليدية. ما فتح باب النقاش حول مدى مشروعية توجيه الاتهامات من طرف شخصية تواجه بدورها انتقادات وتساؤلات حول أهليتها السياسية.

تناقضات خطابية؟..هل هي ممارسات سياسية ام  استعدادات انتخابية؟
الحميدي، الذي يتبنى اليوم خطاب الإصلاح والشفافية، سبق أن خاض غمار الانتخابات الجماعية سنة 2015 في لائحة ترأسها محمد الحمامي، رئيس المقاطعة الحالي، الذي كان آنذاك موضع انتقادات من خصوم سياسيين، أبرزهم حزب العدالة والتنمية. هذا التحول في الاصطفافات طرح تساؤلات حول مدى ثبات القناعات، وهل يتعلق الأمر بتغيير حقيقي في الرؤية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكًا انتخابيًا في أفق الاستحقاقات المقبلة.

بني مكادة..المقاطعة التي لا تهدأ
منذ سنوات، أصبحت مقاطعة بني مكادة عنوانًا للصراعات السياسية المستمرة، حيث نادرًا ما تُعقد دورة دون انسحابات أو مقاطعات أو ملاسنات. وتستعمل الأطراف المتصارعة أدوات القانون والخطاب السياسي لتحقيق مكاسب ظرفية، في مشهد بات ينعكس سلبًا على صورة المؤسسة التمثيلية.

دورة يونيو لم تشكل استثناءً، بل أكدت استمرار منطق الصراع، حيث غابت أولويات التنمية والخدمات لصالح معارك النفوذ والمواقع.

رهان التنمية وسط شلل سياسي

في وقت تعرف فيه مدينة طنجة دينامية تنموية قوية واحتضانًا لمشاريع كبرى وورشات إصلاحات هيكلية، تعيش بني مكادة على وقع “شلل سياسي” يعيق تفعيل هذه المشاريع محليًا. وهو ما أثار مخاوف عدد من المتابعين من أن تستمر المقاطعة في إهدار الفرص، بسبب انشغال عدد من المنتخبين بصراعات شخصية وحزبية، بدل الاشتغال على قضايا المواطن.

الخطاب الأخلاقي تحت المجهر

يرى مراقبون أن الخطاب الأخلاقي في السياسة لا يكتسب مصداقيته إلا إذا انبنى على وضوح ومراجعة ذاتية، لا على التراشق الإعلامي وطمس السياقات. فالإدانة القضائية، كما هو حال بعض المنتخبين، لا يمكن التعامل معها كواقعة عابرة، بل تستدعي وقفة تأمل وتقييم موضوعي، بدل الاستمرار في ممارسة أدوار هجومية دون مساءلة الذات.

في المقابل، فإن رئاسة المقاطعة، التي تواجه بدورها انتقادات حول التدبير وضعف التواصل، مطالبة بتقديم معطيات دقيقة للرأي العام بشأن المشاريع المفتوحة، وتدبير الميزانية، ومردودية البرامج الاجتماعية، بما يعزز مبدأ الشفافية ويعيد الثقة للساكنة.

دوامة التأجيل… ومسلسل العرقلة

تأجيل عقد دورة يونيو إلى الجلسة الثالثة لا يمثل حالة معزولة، فقد سبق للمجلس الحالي أن شهد تأجيل دورتين لنفس السبب، كما عرفت اجتماعات المكتب المسير حالات مشابهة من غياب النصاب. ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام جميع الأطراف بتحمل مسؤولياتهم، ومدى احترامهم لروح الدستور الذي يمنحهم أدوارًا واضحة لخدمة المواطنين لا لعرقلة المؤسسات.

هل أصبح التراكتور في مفترق طرق؟
الأحداث الأخيرة وضعت حزب الأصالة والمعاصرة في موقع محرج، خصوصًا أمام ما يوصف بازدواجية المعايير في التعامل مع المخالفات الداخلية. ففي الوقت الذي تم فيه تجميد عضوية بعض المنتخبين إثر إدانة قضائية أو مواقف سياسية مناقضة، لم يُسجل أي تحرك مماثل تجاه آخرين في وضعية مماثلة. ما يضع علامات استفهام حول مصداقية المساطر الداخلية للحزب، ومدى التزامه بمبادئ الإنصاف والمحاسبة.

نهاية مفتوحة… وموسم انتخابي مبكر؟
ما يجري في بني مكادة لا يمكن عزله عن السياق العام للتحضير للانتخابات التشريعية والجماعية لسنة 2026. الصراع الدائر يعكس في جوهره تحركات لإعادة رسم خريطة النفوذ داخل حزب الأصالة والمعاصرة، خاصة بعد إعلان الحميدي خلال دورة يونيو عن “وضع حد” للتماهي مع توجهات الحمامي، رغم أنه كان قبل ذلك بيوم واحد قد قدم استقالته من رئاسة فريق الحزب بالمجلس الجماعي، إثر توقيعه على بلاغ ينتقد الأمين الإقليمي للحزب وعمدة المدينة منير ليموري.

 أزمة تمثيلية وثقة مفقودة
في نهاية المطاف، تؤكد أحداث بني مكادة عمق أزمة الحكامة السياسية محليًا، وتكشف الحاجة الملحة لتجديد النخب وتعزيز آليات الشفافية والمساءلة. الساكنة، التي وضعت ثقتها في صناديق الاقتراع، تجد نفسها اليوم رهينة صراعات لا علاقة لها بمصالحها اليومية، بل بحسابات سياسية ضيقة، تفرغ العمل التمثيلي من مضمونه، وتعمق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات.

زر الذهاب إلى الأعلى