على بعد خطوات من كورنيش مدينة البوغاز -طنجة-، الذي طالما شكل واجهة حضارية وسياحية لعروس الشمال، تقف ساحة “الفارو” أو ما تعرف شعبياً بـ”ساحة المعكازين” كمرآة مكسورة تعكس خللاً بنيوياً في تدبير المشاريع العمومية. فما كان يُفترض أن يكون فضاءً حضرياً مفتوحاً يعكس جمالية المدينة وتطلعات ساكنتها، تحول إلى موضوع غضب واسع، و”فضيحة أشغال” وصلت أصداؤها إلى مكتب والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، الذي بادر إلى زيارة ميدانية غير لتفقد الوضع عن كث، بل واصلاح ما يمكن اصلاح لتجاوز الوضع،خصوصا انه هناك من يصطاد في الماء العكر ليعرقل عمل واشتغال السيد الوالي والرجل الأول في الجهة.
غضب الساكنة وتناقض التصريحات
في الأيام التي سبقت عيد الأضحى، انتشرت صور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لحالة غير مفهومة لساحة الفارو، بعدما تم فتحها مؤقتاً أمام العموم قبل أن تعاد إلى حالة الأشغال المغلقة مجدداً، دون سابق إنذار أو بلاغ رسمي واضح. المنجزات التي ظهرت على الساحة – من كراسي إسمنتية مشوهة، وبلاط غير مستوي، ومجسمات غريبة تفتقر لأي رؤية فنية أو وظيفية – أثارت موجة من السخرية والاحتجاج، تحولت لاحقاً إلى مطالب بالمحاسبة.
بلاغ غير موقع تم تسريبه لبعض الصفحات الفيسبوكية والمنابر الإعلامية، نسب إلى “مصالح تقنية”، يدعي أن الأشغال “لم تنتهِ بعد”، وأن ما حدث هو فقط توقف مؤقت بسبب عطلة العيد. لكن التناقض الفج بين ما تم إنجازه على الأرض، وما يدعيه البلاغ، زاد من منسوب الشك في نوايا القائمين على المشروع.
زيارة الوالي: رسالة المراقبة؟ أم مساءلة ومحاسبة؟
في هذا السياق المشحون، قام والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، السيد يونس التازي، بزيارة لعين المكان، اذ لم تكن مجرد بروتوكول أو جولة تفقدية، بل كانت بمثابة رسالة صريحة بأن “زمن الصمت الإداري قد ولى”، وأن المشاريع التي تُنجز باسم الدولة وبأموال المواطنين، ستخضع للرقابة والمحاسبة.
مصادر من داخل الولاية أفادت لـ”شمال بوست” أن الوالي كان غاضباً مما رآه، وطلب تفسيرات دقيقة من رئيس قسم التجهيز، الذي يتحمل المسؤولية الكامل في هاته الفضيحة التي أضرت بصورة المدينة وبصورة الوالي، وأعطى فرصة مجانية للمتربصين، ،خصوصا انه المسؤول بتتبع هذا المشروع بالذات، بموجب المهام الإدارية الموكولة إليه.
من المسؤول؟ الشركة المنفذة تحت المجهر
المشروع الذي كلف الملايين من الدراهم أوكل لشركة معروفة في مجال الأشغال العمومية، سبق لها أن اشتغلت في عدة مشاريع حضرية بطنجة. غير أن أداءها في ساحة الفارو بات محط تساؤلات مشروعة. هل نحن أمام تلاعب في جودة الأشغال؟ أم هو فقط إخلال ببنود دفتر التحملات؟ أم أن الإشكال في غياب التتبع الصارم من طرف الإدارة المكلفة؟
مراقبون يرون أن الشركة مطالبة بتوضيح رسمي، أو على الأقل إخضاعها لتقييم تقني من طرف لجنة مستقلة، لأن من غير المعقول أن تمر فضيحة بهذا الحجم دون تحديد المسؤوليات وربما ترتيب الجزاءات القانونية.
مسؤولية قسم التجهيز: أين الخلل؟
رئيس قسم التجهيز، يجد نفسه في قلب عاصفة المساءلة، بحكم أن دوره لا يقتصر فقط على تتبع الأشغال تقنياً، فكيف مرت هذه التجاوزات؟ وأين كانت الإدارة حين كانت ساحة الفارو تتحول إلى مشروع غير مكتمل وغير منسجم مع المحيط الحضري؟
عدم اعطاء توضيح معقلن ومنطقي والإكتفاء في الإختباء وراء مبررات واهية، يعمق الأزمة أكثر مما يساهم في حلها، ويورط والي الجهة في اشكالات لا علم له بها.
المجتمع المدني يدخل على الخط
عدة فعاليات مدنية دخلت على خط هذه الفضيحة، معتبرة ما وقع “مظهراً من مظاهر الفساد الصغير” الذي يقوض الثقة في المشاريع العمومية، خاصة تلك المرتبطة بالفضاءات المشتركة التي تهم ساكنة المدينة كافة.
يقول محمد العربي، فاعل مدني ، في تصريح لـ”شمال بوست”:
“ساحة الفارو ليست مجرد فضاء إسمنتي، بل جزء من ذاكرة المدينة. أن تُشوه بهذا الشكل، وبأموال عمومية، دون توضيح أو محاسبة، هو أمر مرفوض. نطالب بتقرير مفصل عن ما وقع، وبفتح تحقيق مستقل يحدد المسؤوليات.”
أين هي المجالس المنتخبة؟
اللافت أن المجلس الجماعي لطنجة، الذي يملك سلطة التتبع والمراقبة، غاب بشكل مريب عن هذا الملف. فلا رئيس الجماعة أدلى بتصريح، ولا لجنة التعمير أو التجهيز أصدرت بلاغاً توضيحياً، رغم أن المشروع يتم إنجازه في مجالهم الترابي ويفترض أن يمر عبر قنواتهم القانونية، فهل تخلوا عن مصالحهم؟ أم انتزعت منهم الصلاحيات؟ ومن هي الجهة التي قامت بذلك؟
تحليل: من الفضيحة إلى فرصة للإصلاح
يرى محللون أن ما وقع بساحة الفارو هو جزء من أعطاب بنيوية تطبع تدبير المشاريع العمومية محلياً، حيث تغيب الشفافية، وتنعدم آليات التقييم والمساءلة الجادة. ومع ذلك، فإن زيارة الوالي قد تشكل منعطفاً، إذا ما تبعتها خطوات ملموسة لتحديد المسؤوليات وإعادة ترتيب العلاقة بين الإدارة والمقاولات والمجالس المنتخبة.
أحد المهتمين بالشأن الملحي، أوضح لـ”شمال بوست” أن:
“طنجة تعيش في السنوات الأخيرة دينامية عمرانية واضحة، لكن هذه الدينامية تفتقر إلى رؤية موحدة تدمج الجمالية بالفعالية والشفافية. ما وقع في الفارو يعكس غياب التنسيق وغياب ثقافة التقييم المستمر.”
ما المنتظر من السيد الوالي؟
أكيد ان عدد كبير من ساكنة مدينة طنجة، التي تؤيد طريقة اشتغال الوالي، لم يرقها نتيجة الأشغال الأخيرة، وتنتظر على الأقل فتح تحقيق، إن تم فعلاً فتحه،مع اصدار توضيح رسمي يوضح ملابسات المشروع.
بالإضافة الى ترتيب الجزاءات الإدارية والقانونية في حال تبث التلاعب أو التقصير، مع إخضاع الشركة المنفذة لتقييم تقني محايد.
هذا وقد تحولت ساحة الفارو من فضاء عمومي إلى نقطة سوداء في تدبير الشأن المحلي بطنجة. وبين سخط الساكنة، وصمت المنتخبين، وصرامة الإدارة الترابية ممثلة في الوالي، تظل الحقيقة معلقة في انتظار إرادة سياسية وإدارية تضع مصلحة المدينة فوق كل اعتبار.
فهل تكون هذه الفضيحة لحظة مساءلة جماعية؟ أم مجرد زوبعة في فنجان سرعان ما تخمدها أعذار إدارية وتواطؤات صامتة؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير.