Web Analytics
أخبار الشمال

مع اقتراب الانتخابات التشريعية.. صراع ناعم بوردة طنجة بين “الدمناتي” و “بن الطاهر”

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر سنة 2026، تبدأ ديناميات التزكيات داخل الأحزاب السياسية في التحرك، معلنة عن بداية سباق خفي بين الطامحين للعودة إلى قبة البرلمان، وآخرين يتوجسون من أن يتم التخلي عنهم في آخر لحظة، رغم كل ما راكموه من تجربة أو حضور سياسي.

في خضم هذه الدينامية، تبرز حالة سلوى الدمناتي، البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كواحدة من الأسماء النسائية التي تطرح اليوم أكثر من علامة استفهام داخل المشهد الحزبي الجهوي والوطني، خصوصًا في ظل النقاش الدائر حول مستقبل اللائحة الوطنية للنساء، وملاءمتها مع مبدأ المناصفة الذي ظل الحزب يدافع عنه لسنوات.

فهل ستظفر الدمناتي مجددًا بتزكية حزبها؟ وهل تترجم القيادة المركزية خطاب المناصفة إلى أفعال، أم أن منطق التوازنات الانتخابية والمحلية سيحسم المشهد؟

■ من لائحة النساء إلى معترك التزكية
تنتمي سلوى الدمناتي إلى جيل من البرلمانيات اللواتي دخلن قبة البرلمان عن طريق اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، وهي الآلية التي اعتمدها المغرب لتعزيز تمثيلية المرأة في المؤسسات المنتخبة، انسجامًا مع مقتضيات دستور 2011 الذي نص صراحة على مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.

لكن مع توجه المشرع إلى مراجعة نظام اللائحة الوطنية، و إعطاء مزيد من الأهمية للدوائر الجهوية، أصبحت الكثير من البرلمانيات أمام تحدٍ حقيقي للعودة إلى البرلمان عبر صناديق الاقتراع التقليدية، بدل الولوج عبر “كوطا” مؤقتة. وهو ما يجعل السؤال حول مدى جاهزية هذه الأسماء للترشح في دوائر محلية وجلب الأصوات، سؤالًا مركزيًا.

بالنسبة لسلوى الدمناتي، فإن رصيدها الأكاديمي يُحسب ضمن نقاط قوتها؛ فهي حاصلة على شهادة الدكتوراه، وتنتمي لحزب يصنف نفسه كحامل لمشروع حداثي ديمقراطي، له باع طويل في الدفاع عن قضايا المرأة، ومن بين مؤسسي فكرة “المناصفة الدستورية”. غير أن هذه العوامل قد لا تكون كافية وحدها لضمان التزكية، في ظل تحكم منطق الترضيات والولاءات التنظيمية في الكثير من الأحيان، فهل تتغلب على زميلها البرلماني الحالي عبد القادر بن الطاهر؟

 القيادة في موقف اختبار: هل تنتصر للمناصفة؟ ام البرلماني الي فرض نفسه؟
منذ سنوات، ظل حزب الاتحاد الاشتراكي يفتخر بكونه رائد الدفاع عن الحقوق السياسية للنساء، ويستحضر تجربة أسماء نسائية وازنة مرت من صفوفه كالشكرية رادي، ونعيمة الصغير، وربيعة الناصري، وكتابة أول وثيقة حزبية حول “النوع الاجتماعي” سنة 1999.

إلا أن كثيرًا من المنتسبات للحزب يؤكدن، في الكواليس، أن الخطاب السياسي حول المناصفة لا يترجم دائمًا إلى قرارات تنظيمية عادلة، خصوصًا في لحظة توزيع التزكيات، حيث تطغى الحسابات الذكورية والتموقعات الداخلية.

برلمانية سابقة من الحزب، فضلت عدم الكشف عن اسمها، صرّحت لـ”شمال بوست” قائلة:

“إذا أرادت القيادة الحزبية فعلاً أن تبرهن على التزامها بمبادئها، فعليها أن تزكي كفاءات نسائية من العيار الثقيل، بدل حصر التواجد النسائي في لوائح جهوية أو على الهامش التنظيمي”.

وأضافت:

“سلوى الدمناتي نموذج يمكن المراهنة عليه إذا كانت النية فعلاً في تجديد النخب النسائية وإدماجها في معترك الترشيحات الجهوية والمحلية”.

بين المنافسة الداخلية والرهانات الجهوية
لا يبدو طريق الدمناتي نحو التزكية مفروشًا بالورود، فداخل الاتحاد الاشتراكي بجهة طنجة تطوان الحسيمة، تتنامى أصوات منافسة تطمح للتموقع، أبرزها اسم عبد القادر بن الطاهر، الذي يراكم تجربة سياسية مهمة ويحظى بقبول تنظيمي معتبر.

وهنا يطرح التحدي الحقيقي أمام القيادة الحزبية: هل يتم الجمع بين منطق الكفاءة والدفاع عن المناصفة؟ أم يتم التضحية بإحدى القيم لصالح الاعتبارات الانتخابية؟

حسب مصادر من داخل الكتابة الجهوية للحزب، فإن القيادة لا تزال في مرحلة تقييم المرشحين، لكن لا شيء محسوم لحد الساعة. وتقول ذات المصادر إن الدمناتي تتمتع بدعم شريحة من المناضلات داخل الحزب، لكنها مطالبة بتقوية حضورها الميداني، خاصة في سياق يعرف تراجع الحضور الاتحادي في الشمال.

الكفاءة الأكاديمية ليست ضمانة كافية
بعيدًا عن الصراعات الداخلية، تطرح تجربة الدمناتي سؤالًا أوسع: هل الكفاءة الأكاديمية وحدها كافية لضمان النجاح السياسي؟

فالبرلمانية الحاصلة على الدكتوراه، والتي راكمت تجربة تشريعية لا بأس بها، مطالبة اليوم، مثل باقي السياسيين، بإثبات حضورها في الميدان، والتواصل مع القواعد، والتفاعل مع قضايا الجهة التي تنتمي إليها.

وفي هذا السياق، يشير محللون إلى أن الناخب المغربي لم يعد يقنعه الخطاب أو الشهادات العليا، بقدر ما يطالب بتمثيلية حقيقية وترافع جاد داخل المؤسسات، وهو ما يدفع الأحزاب إلى التفكير مليًا في مرشحيها المقبلين.

المرأة والعمل السياسي.. طريق لا يزال شاقًا
رغم الخطوات المهمة التي حققها المغرب في مجال تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، إلا أن التحديات ما زالت كثيرة، خاصة حين يتعلق الأمر بالانتقال من المشاركة الرمزية إلى التموقع الفعلي في دوائر القرار.

ولا تزال صورة المرأة السياسية محاطة بالكثير من الأحكام المسبقة، والتقليل من كفاءتها، وهو ما يستدعي من الأحزاب الجادة — كالاتحاد الاشتراكي — إعادة النظر في آليات اختيار مرشحيها، وتوفير الدعم اللازم للنساء للترشح والمنافسة في نفس شروط الرجل.

يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عادل اليعقوبي في تصريح لـ”شمال بوست”:

“إذا كان الاتحاد الاشتراكي جادًا في الدفاع عن المناصفة، فعليه أن يترجم ذلك على مستوى الممارسة التنظيمية. وأي تراجع عن ترشيح الكفاءات النسائية القادرة على العطاء، سيكون بمثابة تناقض صريح مع خطابه الحداثي.”.                                                               في ظل الغموض الذي يلف توزيع التزكيات، تظل سلوى الدمناتي نموذجًا مصغرًا للصراع بين الخطاب والممارسة داخل الأحزاب المغربية. هي برلمانية تنتمي لحزب تقدمي، وتملك من المؤهلات ما يجعلها فاعلة سياسية واعدة، لكن نجاحها في العودة إلى البرلمان يبقى رهينًا بمدى وفاء الحزب لمبادئه.

ومع انطلاق العد العكسي للانتخابات، ستُظهر الأيام المقبلة ما إذا كانت القيادات الحزبية ستنحاز فعلًا لقيم المناصفة والكفاءة، أم ستنجر خلف منطق الترضيات والتوازنات القبل انتخابية.

زر الذهاب إلى الأعلى