في زمن تُرسم فيه حدود الأدوار سلفًا للنساء، ظهرت خولة المرابط المهدي كاستثناء يبعثر الصور النمطية، شابة تنحدر من أصيلة، المدينة ذات الطابع المحافظ، لكنها قررت منذ سنوات أن تشق طريقًا خاصًا بها، في مجالات يصعب على كثيرات بلوغها، بدءًا من الرياضة، مرورًا بالعمل الجمعوي،والمجال الأكاديمي وصولًا إلى أبواب السياسة.
خولة ليست فقط أول حكمة وطنية تنتمي إلى مدينة “زيلس”، بل نموذج نسوي ملهم جمع بين الشغف والمعرفة، وبين الممارسة الميدانية والتكوين الأكاديمي، في وقت اختارت فيه الانسحاب من سباق انتخابي كان سيضعها وجهًا لوجه أمام تركة ثقيلة، بعد وفاة الوزير السابق محمد بن عيسى، مفضلة الوفاء للميدان الذي منحها الثقة والتألق.
من زيلس إلى المدرجات الجامعية
ولدت خولة سنة 1996 بمدينة أصيلة، وعاشت طفولتها وسط أزقتها القديمة. في سن مبكرة، أظهرت ميلًا واضحًا نحو الرياضة، دون أن يُنسيها ذلك التركيز على الدراسة. حصلت على شهادة البكالوريا من الثانوية التأهيلية وادي الذهب، قبل أن تلتحق بكلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، حيث نالت الإجازة في القانون الخاص.
ولم تكن الجامعة محطة توقف، بل موازاة مع دراستها، كانت خولة تنخرط في تكوينات متعددة في مجالات الرياضة والتأطير، وكأنها تستعد بصمت للمكانة التي تستحقها.
على المستطيل الأخضر.. الحكمة التي جاءت من الخلف
في البداية، لعبت خولة ضمن صفوف نادي اتحاد طنجة النسوي، وبرزت كلاعبة موهوبة، لكن الإصابات حالت دون استمراريتها في الملاعب. لم يكن ذلك نهاية الطريق، بل بداية لمسار جديد داخل عالم التحكيم. التحقت بعصبة الشمال، وسرعان ما برزت كوجه تحكيمي نسوي واعد، لتُتوَّج لاحقًا كـأول حكمة وطنية من أصيلة، وتدير مباريات في القسم الوطني الأول لكرة القدم النسوية.
ولم يتوقف مشوارها عند هذا الحد، ففي الموسم الكروي 2024/2025، تم اختيارها كأفضل حكمة وطنية نسوية، لتنال شرف إدارة نهائي كأس العرش الذي يجمع بين الوداد الرياضي والجيش الملكي. مشهدٌ أعاد الاعتبار للمرأة في مجالات ظلت لسنوات طويلة حكرًا على الرجال.
هل نرى خولة المهدي.. كحكمة تدير مقابلات الرجال ولما لا كحكمة دولية؟
طموح خولة المهدي لا ولن يتوقف، فمن هواية ملامسة الكرة الى أحسن حكمة نسائية على مستوى الوطني، وهي التي لم يتجاوز سنها ثلاثين سنة، كل هذه العوامل تدفعها لتقاتل من أجل أن تصبح حكمة تدير مقابلات كرة القدم رجال في قسميها الأول والثاني، خصوصا سبق لها وأن أدارت مقابلات في كرة القدم رجال بالأقسام التابعة لعصبة الشمال.
كما أن طموح خولة المهدي لا يتوقف عند حدود مدربة وطنية، بل تطمح مستقبلا لتصبح حكمة دولية تبصم اسمها في مجال التحكيمي بمداد من الفخر والاعتزاز.
تكوين لا يتوقف.. وصفارة بالعلم
إلى جانب مسارها الجامعي، حصلت خولة على مجموعة من الشهادات المتخصصة، أبرزها دبلوم “D” في كرة القدم 11، ودبلوم “D” لكرة القدم المصغرة، إلى جانب دبلومين متخصصين في المهن الرياضية أحدهما في السباحة، حيث عملت كمنقذة، والآخر في كرة القدم، صادر عن وزارة الشباب والثقافة والرياضة.
كما تشتغل اليوم كمؤطرة رياضية بإحدى الأكاديميات لكرة القدم بمدينة طنجة، حيث تُشرف على تدريب وتأطير الفتيات، وتسهم في تكوين جيل جديد من اللاعبات والحكمات.
من المبادرات المواطِنة إلى السياسة
في لحظات الأزمة، برز اسم خولة خارج المستطيل الأخضر. خلال جائحة كورونا، شاركت في عدد من المبادرات التضامنية، وأسهمت في حملات الدعم والتوعية، ما أكسبها احترامًا واسعًا داخل مدينتها.
هذه الشعبية، إلى جانب حضورها الرياضي والإعلامي، جعلت اسمها يُطرح سياسيًا، خاصة بعد وفاة وزير الخارجية السابق محمد بن عيسى، حيث أعلن حزب الاتحاد الدستوري ترشيحها في الانتخابات الجزئية بالدائرة الأولى بمدينة أصيلة.
لكن هذا الترشيح لم يكتمل، إذ أعلنت خولة انسحابها في بلاغ رسمي، مؤكدة أن “الظرفية غير ملائمة، وأنها تفضّل التفرغ الكامل لمهنتها ومسارها الرياضي”. بالمقابل، نشر كاتب الفرع المحلي للحزب، زوبير بنسعدون، تدوينة أشار فيها إلى تعرض خولة لـ”ضغوط وتهديدات”، وهو ما جعل انسحابها يبدو قرارًا اتخذته في إطار “تغليب السلامة على الطموح”.
بالمقابل أكد عدد من المقربين الى خولة المهدي، أن الأخيرة اتخدت موقفا استراتيجيا، لكنها سوف تعود بشكل قوي لمجال السياسة خلال الإنتخابات الجماعية المقبلة والتي من المزمع تنظيمها خلال سنة 2027.
خولة.. وجه نسوي بآفاق مفتوحة
خولة المرابط المهدي ليست مجرد حكمة وطنية ناجحة، ولا مرشحة سياسية طموحة، بل نموذج لامرأة شابة أعادت تعريف النجاح في بيئة صعبة، ووسّعت هامش الأمل أمام نساء وفتيات ينتمين لمدن صغيرة وهامشية.
إنها تجسيد لقوة الإرادة حين تقترن بالعلم والعمل. اليوم، بعد تتويجها كأفضل حكمة وطنية، وبعد تجربة سياسية سريعة، يبدو أن طموح خولة لا يزال في بدايته. فمن يدري؟ قد تعود ذات يوم إلى الساحة السياسية من بوابة أوسع، مسلحة بتجربتها وشرعيتها الميدانية، وصفارتها التي لن تسكت إلا لتصنع الفرق.