لم تشهد مدينة أصيلة، جوهرة الشمال، تراجعًا سياسياً بحجم ما تعيشه اليوم مع حزب التجمع الوطني للأحرار. الحزب الذي لطالما اعتُبر ركيزة أساسية في المشهد الانتخابي المحلي، بفضل حضوره الممتد لعقود خاصة في ظل الزعامة السياسية للراحل محمد بن عيسى، يجد نفسه اليوم في موقع المتفرج، بعد أن فشل فشلًا ذريعًا في تغطية الدوائر الانتخابية خلال الانتخابات الجماعية التي جرت في 8 شتنبر 2021، والأسوأ من ذلك، عجزه عن حصد ولو مقعد واحد من أصل 30 مقعداً داخل المجلس الجماعي للمدينة.
هذا التراجع الصادم يتزامن مع فترة تولي عمر مورو مهمة المنسق الإقليمي للحزب، وهو اسم بات مرتبطاً بسلسلة من الإخفاقات، سواء على مستوى الهيكلة التنظيمية أو في مسار التفاوض لتسيير المؤسسات المنتخبة إقليمياً. وهي حالة لا تقتصر على أصيلة فقط، بل تشمل عدداً من الجماعات القروية التابعة لإقليم طنجة-أصيلة.
ضعف تنظيمي ونتائج انتخابية هزيلة
يؤكد متتبعو الشأن المحلي أن حزب التجمع الوطني للأحرار يعيش أسوأ مراحله في أصيلة. ففي الاستحقاقات الجماعية الأخيرة، عجز الحزب عن تغطية معظم الدوائر الـ25، منها خمس دوائر مزدوجة، ما اعتُبر مؤشراً واضحاً على انهيار البنية التنظيمية للحزب وغياب القيادة المحلية.
أحد مناضلي الحزب، الذي جرى طرده على خلفية خلافات مع عمر مورو، قال في تصريح لـ”شمال بوست”: “لأول مرة، لم يحصد الحزب أي دائرة انتخابية، وهو أمر لم يحدث من قبل”. وأضاف: “كنا ننتظر مشاركة رمزية تحفظ ماء الوجه، لكن يبدو أن التنظيم انهار بالكامل”.
ويبدو أن هذا السيناريو تكرر في جماعات قروية مجاورة، إذ فشل الحزب في ضمان أي حضور انتخابي فعّال في جماعات العوامة، المنزلة، اجزناية، وحجر النحل. وحتى في المناطق التي نال فيها بعض المقاعد، كانت نتائج الحزب محتشمة، ولم تمكّنه من الظفر برئاسة أي جماعة، باستثناء جماعة بريّش.
صراعات داخلية وقطيعة مع إرث بن عيسى
لا يمكن فصل هذا الانهيار عن الصراع المفتوح بين عمر مورو والراحل محمد بن عيسى، أحد أعمدة الحزب وطنياً ورمز التجمعيين بالمدينة. هذا الصراع، الذي خرج إلى العلن في السنوات الأخيرة، جاء على خلفية ما وصفه مقربون من بن عيسى بـ”تجاوز مورو لأعراف اللياقة السياسية”، ما أدى إلى انهيار جسور التنسيق بين القيادة الإقليمية والفعاليات المحلية.
وتؤكد مصادر محلية أن بن عيسى، رغم ما قد يُقال عن تجربته، كان رجل تنظيم بامتياز، فيما انشغل مورو بتصفية الحسابات على حساب تقوية الحزب. وتضيف المصادر أن هذا الصراع لم يدمّر فقط الهيكل التنظيمي، بل حرم المدينة من مشاريع تنموية جهوية، كانت قابلة للبرمجة لولا تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
لجنة تحضيرية بطعم الفشل
في محاولة متأخرة لتدارك الوضع، أطلق عمر مورو مبادرة لتشكيل لجنة تحضيرية محلية، لكن الخطوة لم تلقَ الترحيب المطلوب، بسبب الأسماء المقترحة، والتي اعتبرها المتتبعون “وجوهاً متجاوزة سياسياً”، سبق أن تحمّلت مسؤوليات جماعية وأخفقت في مهامها.
ويرى عدد من الفاعلين المحليين أن اللجنة مجرد محاولة يائسة للالتفاف على الفشل. فـ”مورو لا يمتلك رؤية واضحة، ومن اختارهم للمهمة يفتقدون لأي إشعاع سياسي أو ميداني”، على حد تعبير أحدهم.
غياب المشاريع… وتنمية مؤجلة
بعيداً عن الصراعات الحزبية، تبدو أصيلة اليوم مدينة تدفع ثمناً باهظاً للتراجع السياسي. فرغم موقعها الاستراتيجي وقربها من طنجة، لم تستفد من أي مشاريع جهوية كبرى خلال السنوات الأخيرة، بخلاف جماعات أقل وزناً.
وتؤكد مصادر من داخل المدينة أن “الحديث عن الجهوية المتقدمة يفقد معناه حين تتحول المشاريع إلى امتيازات تُوزع على أساس الولاءات السياسية، لا على أساس أولويات التنمية”.
هل آن أوان المحاسبة؟
المتتبع للمشهد السياسي المحلي منذ سبعينيات القرن الماضي، يعي أن حزب التجمع الوطني للأحرار في أصيلة بلغ مرحلة حرجة. فشل تنظيمي، غياب سياسي، وتراجع تنموي غير مسبوق. وضع لم يعشه الحزب حتى في عهد منسقه الجهوي السابق محمد بوهريز.
فهل تكون اللجنة التحضيرية بداية لتصحيح المسار؟ أم أن القيادة الإقليمية الحالية، بقيادة عمر مورو، ستواصل نهج الإقصاء والمواجهة، ما قد يعمّق القطيعة مع الساكنة المحلية؟
في ظل هذه المؤشرات، عبّر عدد من مناضلي الحزب بالمدينة عن استيائهم من الأداء الحالي، وأعلنوا استعدادهم لمراسلة القيادة الوطنية، مناشدين رشيد الطالبي العلمي، المنسق الجهوي للحزب، بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
ويبقى الأكيد، أن مدينة أصيلة تحتاج إلى تمثيلية سياسية تليق بتاريخها، وعلى حزب التجمع الوطني للأحرار أن يقرأ المشهد بعين نقدية وجريئة، إذا ما أراد استعادة ثقة ساكنة المدينة.