Web Analytics
أخبار الشمال

هل “حوتة وحدة” كافية لإغراق مركب “حمامة” طنجة؟

يعيش حزب التجمع الوطني للأحرار بمدينة طنجة واحدة من أكثر مراحله التنظيمية هشاشة، وسط تصدعات داخلية وصراعات خفية بدأت تنعكس سلبًا على أدائه السياسي داخل المؤسسات المنتخبة، وعلى صورته أمام الرأي العام المحلي.

فمنذ الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة، التي نُظّمت بتاريخ 8 شتنبر 2021، بدا أن الحزب الذي يقوده على المستوى الإقليمي عمر مورو – رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة – عاجز عن خلق دينامية سياسية وتنظيمية حقيقية تمكنه من تثبيت أقدامه في مدينة ذات وزن انتخابي وسياسي كبير.

مورو… من “الوردة” إلى “الحمامة”، ومن القوة إلى المأزق؟

في البداية، شكّل صعود عمر مورو، القادم من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى هرم الحزب إقليميًا مؤشرًا على طموح الأحرار لبناء نفوذ قوي بطنجة، مدعومًا بوزن الرجل داخل الجهة وثقة قيادة الحزب المركزية. لكن هذا الصعود سرعان ما تحوّل إلى مصدر تشنج تنظيمي، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الداخلية حول “تدبير شخصي ومغلق” للهيكلة الحزبية، وإقصاء عدد من الوجوه التي ساهمت في بناء القاعدة الانتخابية للحزب بالمدينة.

فمع اقتراب الانتخابات، شهد الجميع كيف تم تدبير الأمور والقطع مع شخصيات سياسية بارزة في الحزب، بل من مؤسسيه؛ محمد بوهريز ومحمد بن عيسى نموذجًا. كما تم تهميش مجموعة من الأطر والكفاءات بعد الانتخابات، مثل حميد بليطو، وعبد الواحد أعزيبو، والبرلماني الحسين بن الطيب، الذي نال إشادة كبيرة من طرف القيادة الوطنية لحزب الأحرار.

ووفق مصدر حزبي، فإن “منسق الحزب الإقليمي لا يشتغل بمنطق تشاركي، بل يحتكر القرارات الأساسية، ويغلق الباب أمام طاقات جديدة كان يمكن أن تضيف الكثير للحزب محليًا”.

بين المؤسسات وقاعدة الحزب: شرخ واضح

الأزمة التنظيمية لحزب “آل مورو” انعكست مباشرة على أداء الحزب داخل الجماعة الحضرية والمقاطعات، حيث فشل حزب الأحرار في لعب دور مؤثر، وظل في الغالب في موقع المتفرج، اللهم إلا إذا استثنينا مجهودات بعض المستشارين المحسوبين على رؤوس الأصابع، مثل يوسف الودغيري بمقاطعة بني مكادة، وياسين عمران بمقاطعة مغوغة، وعبد الواحد بولعيش بمقاطعة طنجة المدينة، وهشام الكدال بمقاطعة السواني، مع اجتهاد مستحسن لنائب العمدة عصام الغاشي.

كما أن المبادرات السياسية والتواصلية غابت بشكل كبير، سواء مع المواطنين أو مع الفاعلين المحليين، ما جعل الحزب يبدو كيانًا باهتًا وسط مشهد سياسي محتدم، رغم بعض الأنشطة الداخلية التي يُحاول الترويج لها.

حتى في مجلس الجهة، الذي يرأسه عمر مورو، بدأت أصوات المعارضة ترتفع، منتقدة ما تعتبره “ضعفًا في الإنجاز” و”بطئًا في تفعيل المشاريع”، وهو ما أثر على صورة الحزب الذي يقدم نفسه وطنيًا كقائد لحكومة تدّعي النجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

شباب على الهامش: أين الأحرار من الفئة الحاسمة؟

رغم أن حزب التجمع الوطني للأحرار رفع في حملاته الوطنية شعار الانفتاح على الشباب، وخصص لهم فضاءات تنظيمية كمنظمة الشبيبة التجمعية، فإن الواقع في طنجة يبدو مناقضًا تمامًا لهذا التوجه. فعدد من الفاعلين الشباب المحليين، سواء المنخرطين في الحزب أو المهتمين بالعمل السياسي، يعبرون عن إحباطهم من غياب فرص حقيقية للمشاركة، و”التحكم” في قنوات القرار من طرف دائرة ضيقة من المسؤولين الحزبيين.

يقول أحد الشباب الذين غادروا الحزب: “كنا نظن أن الأحرار يمثل جيلاً جديدًا في السياسة، لكننا اصطدمنا بعقليات قديمة، لا تفتح المجال للنقاش، ولا تعترف بالكفاءات الشابة”.

ويضيف: الحزب يمتلك طاقات شابة كبيرة جدًا، مثل الغاشي، والودغيري، وياسين عمران، وحسون، والكدال، وغيرهم، لكن للأسف لم تُتح لهم الفرصة اللازمة، رغم ما يتوفر لديهم من كفاءة.

صراعات داخلية… وتهديد خارجي في الانتخابات المقبلة

تُظهر التجارب السياسية السابقة أن الأحزاب التي تعاني من اضطرابات تنظيمية داخلية تؤدي ثمنًا باهظًا في الانتخابات، سواء على مستوى تعبئة القواعد أو في الحفاظ على الانضباط والانخراط الجماعي في الحملات.

وفي حالة حزب الأحرار بطنجة، يبدو أن الانقسام الصامت داخل التنظيم قد ينعكس بشكل واضح في الاستحقاقات المقبلة إذا لم يتم احتواؤه، خصوصًا بعد بروز خلاف حاد بين إخوة آل مورو حول عدد من القضايا التدبيرية.

وحسب المصادر الحزبية، فإن المعطيات تشير إلى وجود “تيارات ظل” داخل الحزب، بعضها بدأ يتقرب من أحزاب أخرى، أو يهدد بالعزوف عن المشاركة، ما يعني أن الحزب قد يواجه ليس فقط تراجعًا في النتائج، بل ربما خسارة مناطق كان قد بدأ في السيطرة عليها؛ مثل تيار الغزواني غيلان، والحسين بن الطيب المدعوم وطنيًا، وتيار آل مورو، إضافة إلى تيار “الغاضبين” الذي يجمع في صفوفه الكفاءات والأطر، لكنه ما زال تيارًا صامتًا يحافظ على هدوئه.

وفي ظل المنافسة القوية المتوقعة من أحزاب كالأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال الذي بدأ مبكرًا في إعادة هيكلة تنظيمه محليًا، والاتحاد الاشتراكي، وحتى العدالة والتنمية الذي يسعى إلى استعادة نفوذه، فإن أي خلل داخلي سيكون له انعكاس مباشر على صناديق الاقتراع.

“حوتة كتخنز الشواري”… أم مشكل بنيوي أعمق؟

في تصريح سابق له، قال والي الجهة يونس التازي إن “حوتة وحدة كتخنّز الشواري”، وهو كلام عميق رغم الانتقادات التي وُجهت له، لكنه يختزل أشياء كثيرة لا يعرفها إلا من هو قريب من الكواليس ويعرف جيدًا كيف تُطبخ الأمور. وكان كلام الوالي خلال لقاء جمعه مع السياسيين ومنعشين عقاريين، قد حمل إشارة ضمنية إلى ضرورة عدم تعميم الفشل.

هذه المقولة الشهيرة، إن حاولنا إسقاطها على حزب الأحرار لمعرفة أسباب الخلل التنظيمي، نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري: هل يمكن اعتبار ما يقع في “أحرار طنجة” مشكلة فردية فقط؟ أم أن السياق أعمق من ذلك؟

إن متتبعي الشأن السياسي المحلي يرون أن الأزمة أعمق من مجرد صراع بين أسماء أو سوء تدبير محلي، بل هي نتاج غياب تصور حزبي واضح لكيفية الاشتغال في مدينة معقدة سياسيًا كطنجة، تحتاج إلى توازن بين الانفتاح على النخب التقليدية، واحتضان الطاقات الجديدة، وتقديم عرض سياسي مقنع للساكنة.

طنجة ليست مدينة عادية، إذ لا تمنح ولاءها السياسي بسهولة. ومن يطمح للعب أدوار قيادية فيها، عليه أن يمتلك أكثر من مجرد دعم مركزي أو ثقل مؤسساتي؛ عليه أن يقنع الناس، وأن يبني الثقة، وأن يُحسن الإصغاء والتواصل، وأن يكون رجل التوافقات والتنازلات في بعض الأحيان.
فهل يتوفر هذا في شخصية مورو؟

زر الذهاب إلى الأعلى