Web Analytics
مقالات الرأي

الروابط السوداء لجبهة البوليساريو مع الأرهاب

أدالبيرتو أغونزينو Adalberto Agozino

كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير حصري أن مئات المرتزقة التابعين لما يسمى بـ”الجيش الشعبي الصحراوي”، الذراع العسكري لجبهة البوليساريو الانفصالية، تلقوا تدريبات عسكرية من إيران، وتم أسرهم من قبل الحكومة السورية المؤقتة بعد مشاركتهم في القتال إلى جانب النظام السوري بقيادة الديكتاتور السابق بشار الأسد خلال الحرب الأهلية الدامية في سوريا.

وقد أزاحت الإطاحة بنظام الأسد الستار عن واحدة من أكثر الشبكات الجيوسياسية غموضًا في المنطقة، وهي التعاون الخفي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجبهة البوليساريو، وهي جماعة انفصالية تتخذ من مخيمات تندوف في الجزائر مقرًا لها. ووفقًا لمصادر دبلوماسية واستخباراتية، فإن هذا التعاون يتعدى الدعم السياسي والدبلوماسي، ليشمل التدريب العسكري، وتجارة الأسلحة، وعلاقات مع شبكات جهادية في منطقة الساحل.

Adalberto Agozino Doctor en Ciencia Política
Adalberto Agozino Doctor en Ciencia Política

وذكر التقرير أن السلطات السورية الجديدة احتجزت مئات من مقاتلي البوليساريو في حلب ومناطق سورية أخرى. وأكدت مصادر غربية أن هؤلاء المقاتلين أُرسلوا إلى سوريا من قبل إيران والجزائر، مستخدمين جوازات سفر جزائرية، وتلقوا تدريبًا في تقنيات القتال الحضري واستخدام الطائرات بدون طيار بمساعدة مستشارين عسكريين إيرانيين.

وأكد “جبهة الإنقاذ الوطني السوري” هذه المعلومات، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن 200 مقاتل من البوليساريو نُشروا في مناطق حساسة مثل درعا والسويداء، داخل قواعد عسكرية خاضعة لسيطرة إيران. كما أظهرت وثائق تم الحصول عليها من مقرات استخبارات سورية سابقة وجود تدريبات مشتركة بين ميليشيات البوليساريو والحرس الثوري الإيراني، وهو الذراع العسكرية الرئيسية لإيران في الخارج.

علاقات قديمة مع النظام السوري

تعود العلاقات بين أسرة الأسد والبوليساريو إلى عام 1978، حيث قدمت دمشق دعمًا دبلوماسيًا ولوجستيًا للميليشيا الصحراوية. وكانت سوريا، في عهد بشار الأسد، من بين الدول القليلة التي اعترفت بما يسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” غير المعترف بها دوليًا.

روابط مع طهران

وكان المغرب قد قطع علاقاته مع إيران عام 2018، بعد أن اتهم ميليشيا حزب الله اللبناني، الحليف القوي لطهران، بتدريب مقاتلين صحراويين في مخيمات تندوف. وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حينها أن لديه “أدلة دامغة” على تورط دبلوماسيين إيرانيين في الجزائر في الوساطة بين حزب الله والبوليساريو، بما في ذلك تسهيل إرسال أسلحة مثل صواريخ SAM-9 وStrela-3، وتدريبات على تكتيكات الحرب.

ورغم أن علاقات طهران مع البوليساريو ليست جديدة، فإنها باتت تشكل خطرًا أكبر في ظل التوترات المتزايدة في شمال إفريقيا. فإعادة تسليح البوليساريو، وهجماته المتفرقة على مواقع مغربية في الصحراء، وانخراطه في نزاعات دولية، قد طمست الحدود بين التمرد المحلي والإرهاب العابر للحدود.

من الانفصال إلى الإرهاب الجهادي

وتحمل جبهة البوليساريو سجلًا دمويًا في الهجمات الإرهابية، حيث قتلت 289 مواطنًا إسبانيًا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بينهم صيادون كانوا يعملون قرب العيون، وعمال في مناجم الفوسفات بـ”فوسبوكراع”، حيث تعرضوا لعمليات قتل جماعي، وقطع بالسكاكين، واختطافات، وتعذيب جسدي ونفسي، وإعدامات ميدانية، وفقًا لما كشفته “جمعية ضحايا الإرهاب الكناريين (ACAVITE)”.

كما لم تتردد ميليشيات البوليساريو في تجنيد الأطفال كجنود في مخيمات تندوف، وهو ما رصده المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، خلال زياراته.

ومن أبرز الحالات المرتبطة بالإرهاب الدولي، برز اسم عدنان أبو الوليد الصحراوي، وهو عضو سابق في البوليساريو ومؤسس فرع “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، وقد قاد منذ عام 2015 سلسلة هجمات دموية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، استهدفت جنودًا فرنسيين وأمريكيين. وكان مدرجًا على قوائم المطلوبين لدى واشنطن التي رصدت 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه قبل مقتله عام 2021.

وحذرت مصادر مغربية وأوروبية من أن مخيمات تندوف أصبحت “بيئة خصبة” للتطرف الديني. وقد أقر محمد الأمين البوهالي، وزير الدفاع السابق في الكيان الانفصالي، بوجود ما لا يقل عن 25 مقاتلًا صحراويًا في صفوف تنظيم القاعدة وجماعات سلفية أخرى تنشط في منطقة الساحل.

ويشير تقرير صادر عن “معهد فلامنكو للسلام”، وهو مركز أبحاث أوروبي مرموق ممول من الاتحاد الأوروبي، إلى تورط البوليساريو في تهريب أسلحة مصدرها انهيار نظام القذافي في ليبيا، حيث أعاد عناصر من الجبهة توزيع أسلحة مثل البنادق وقاذفات الصواريخ، وبعضهم شارك في الحرب الأهلية الليبية كمرتزقة.

الكونغرس الأمريكي يدرس تصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية

دفع تصاعد هذه الاتهامات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى المطالبة رسميًا بتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية. وقد تقدم النائب الجمهوري جو ويلسون، عضو لجنة الشؤون الخارجية، بمشروع قانون يدعو لدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، والتنديد بـ”العلاقة المباشرة” بين البوليساريو وإيران والجماعات المتطرفة.

وقال ويلسون بعد لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة: “الطريق الحقيقي نحو السلام في المنطقة يمر عبر حكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية.” وأضاف أن البوليساريو “تهدد أمن شمال إفريقيا وحلفائنا الاستراتيجيين مثل إسبانيا وفرنسا.”

أوروبا وإسبانيا في حالة تأهب

وقد نبهت وزارة الدفاع الإسبانية مرارًا إلى مخاطر الاعتداءات والاختطاف في مخيمات تندوف ومناطق الساحل. ففي عام 2011، اختُطف ثلاثة متعاونين أوروبيين — الإسبانية آينوا فيرنانديز، والإسباني إيريك غونيالونز، والإيطالية روسيلا أورو — في “رابوني”، المقر الإداري للبوليساريو، على يد عناصر من الجبهة بالتعاون مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأُفرج عنهم لاحقًا بعد دفع فدية لم يُعلن عنها رسميًا.

كما حذر تقرير صادر عن “المكتب الأوروبي لمكافحة الغش” (OLAF) عام 2008 من وجود عمليات نهب ممنهجة للمساعدات الإنسانية في تندوف، تورط فيها قادة في البوليساريو ومسؤولون جزائريون، في إطار اقتصاد غير رسمي يمول أنشطة الجبهة.

موريتانيا تحت الضغط

أما موريتانيا، الجارة المباشرة لمنطقة النزاع، فقد تعرضت بدورها لضغوط مباشرة من جبهة البوليساريو. ففي 23 نوفمبر 2023، زارت وفد من الجبهة نواكشوط برئاسة محمد سالم ولد السالك، وسلّم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني رسالة من زعيم الجبهة إبراهيم غالي، يحذر فيها من أن استقرار المنطقة “مرتبط باحترام الحدود”، وهو ما اعتبرته مصادر دبلوماسية تهديدًا مبطنًا في حال عززت نواكشوط علاقاتها مع الرباط.

نحو إعادة تعريف دولية للبوليساريو؟

تشير تقارير عديدة إلى أن جبهة البوليساريو تحولت من حركة تحرر وطني مزعومة إلى جماعة إرهابية دولية ترتبط بالجريمة المنظمة والإرهاب والتدخلات الجيوسياسية المثيرة للجدل في العالم العربي. فارتباطها بإيران وحزب الله والجماعات السلفية في الساحل يشكك في مشروعيتها كممثل للمجتمع الصحراوي المحتجز في تندوف.

وبات على المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أن يعيد النظر في تعامله مع جبهة تتخذ من قضية “الهوية” غطاءً، بينما تنخرط فعليًا في زعزعة استقرار المنطقة. وفي هذا السياق، لم يعد التغاضي عن الأدلة خيارًا ممكنًا.

زر الذهاب إلى الأعلى