في شمال المغرب، كانت هناك مدن وقرى ساحلية تشبه الحلم… أماكن هادئة، بسيطة، ببيوت بيضاء تُعانق الزُرقة، وشوارع تنساب بانسيابية نحو الرمال والبحر. جمال طبيعي نقي، وهوية معمارية كانت تحكي عن روح المكان وسُكونه… لكن هذا الجمال بدأ يختنق.
اليوم، الزائر لهذه المدن سيشعر بأن شيئاً ما انكسر. لم تعد هناك علاقة عضوية بين البحر، والرمل، والشارع. صار المشهد مفككاً، مزعجاً، تُسيطر عليه عشوائية عمرانية تُشعرك بعدم الارتياح، وكأن المكان طُعن في هويته.
نُشيد بالمجهودات التي تبذلها بعض السلطات المحلية، التي تحاول قدر المستطاع فرض تنظيم عمراني يحترم الطابع الساحلي. لكن، هذه المحاولات كثيراً ما تُواجه بصمت الساكنة، أو لا مبالاة، أو حتى جشع بعض المنعشين العقاريين الذين يرون الأرض فقط كمتر مُربّع يُباع، لا كذاكرة جماعية أو جمال يجب الحفاظ عليه.
المؤسف أن من يبني اليوم عشوائياً، يهدم ما لا يُمكن بناؤه من جديد: هوية المكان.
وفي المقابل، يكفي أن تكتب “شفشاون” على محرك البحث لترى كيف أن الحفاظ على البساطة والتناغم المعماري حوّل المدينة إلى عمل فني خالد. شفشاون لم تُغيّر جلدها لتُرضي السوق، بل احتفظت بروحها… فربحت العالم.
السؤال اليوم ليس فقط عن البناء، بل عن ماذا نُريد أن تبقى عليه هذه المدن بعد 10 أو 20 سنة؟ هل نُريدها أماكن تُشبه بعضها البعض، أم فضاءات ساحرة تروي قصتها بلغتها الخاصة؟
ما زال أمامنا فرصة للتدارك. لكن الوقت لا ينتظر.