سأحكي لك ومن خلالك سردية الشيوعي الذي لم أعد أدري إن كان لينينيا أم تروسكيا، ماويا أم ستالينيا، الأهم أنه نهل الماركسية من ثدي الشقاء ومن قلق الأسئلة زمن العنفوان..
رفيقنا يا ابتهال لم يسعفه الحظ في متابعة التعليم العالي في المؤسسات العمومية زمن الانفتاح على اقتصاد السوق في معمعان الحرب على التعليم العمومي فالتحق بأحد المعاهد الخاصة بعلوم التدبير والمعلوميات.
أواخر التسعينات سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية واشتغل بإحدى الشركات هي نفسها التي شهدت ثورة الحق على لسانك الكاشف لخبايا الدعم الذي تقدمه هذه الشركة للعدو الس/ هيو /ني في إبادته للشعب الفلسطيني.
رفيقنا هذا مجرد أن حط قدماه على” الإلدورادو الأمريكي ” حتى صار ليبراليا أشد انبهارا من ماكس فيبر Max weber في بيروقراطيته العقلانية، وأدق نموذجا من فوكوياما في سرديته حول نهاية التاريخ، وكأنه وجد ضالته الأخيرة عند الضفة الغربية للمحيط، حتى أن لسانه أعجزه عن تلفظ المعاني التي كانت تنساب ضادا على شفتيه زمن ماركسيته.
لا أعتقد أنه يضاهي تفوقك علما ولا معاشا، كما لا أعتقد أن لكِ تاريخا “نضاليا” حافلا بالبطولات والفتوحات الأيديولوجية على الأرصفة وداخل المقاهي والخمارات.. ولو أنني متأكد من كونك لم ترضعي الحقوق الوطنية الفلسطينية من أدبيات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و”التكتيك والاستراتيجية” للحكيم جورج حبش..
رفيقنا كان من أشد معارضي مفاوضات السلام ( مدريد 1991- أوسلو 1993) ناعتا الطرف الفلسطيني بالعمالة و الخيانة متهما إياه بالتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المتظمنة في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لأنه يؤمن أن القضية الفلسطينية قضية ترتقي لمصاف القضايا الوطنية للشعب المغربي رغم بعد المسافات جغرافيا..
لكن سرعان ما حط الرحال بأمريكا حتى انقلبت المعايير في مقارباته، لدرجة أنه عند كل بريد إلكتروني أو مكالمة هاتفية كان يشدد على عدم الكلام في السياسة وفلسطين و لربما انقلبت الأمور ضده في غفلة من تواصلنا وأفشلت مشروعه العلمي والمعيشي بأرض ميعاده..
ربما كنتِ لا تزالين في مرحلتك التعليمية الابتدائية مما لا يسعفك في تمثل تعقيدات الحياة وفهم الواقع..لم تملأي الأمكنة والأزمنة صياحا بالثورة والنضال ضد الاستبداد ولا ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية، لكنكِ أنجزت ما لم ينجزه بعض من رفاقنا الشيوعيين المترفين على بؤس الفكر وتيهان المعنى..
لقد اشتريتِ، عزيزتي ابتهال، القضية بأثمان باهظة من مشروعك العلمي ومستقبلك الوظيفي، فيما باعها بعض الرفاق بأبخس الأثمان . فبئس البائع وبئس ما اشترى وطوبى لكِ ما اشتريتِ..وليعذرنا بعض الرفاق التائبين عن كل شيء حتى عن قول الحق والحقيقة.