لا يختلف اثنان، كون ان شهر رمضان المبارك ببلادنا يرتبط كباقي الدول الإسلامية عبادات وتقاليد، تؤرخ لأجدادنا، وهي عادات تميرز هذا الشهر الفضيل وتخلق شغفا وارتباطا كبيرا، لدرجة أن الأطفال يصلحون بالأحياء الشعبية حرصين أكثر للحفاظ على مثل هذه العادات.
ولعل أبرز هذه العادات التي وجدت امتدادات مهما في مدن الشمل على رأسها مدينة طنجة مهنة “الطبال” (المسحراتي)، الذي يجوب الشوارع لإيقاظ المقبلين على الصيام لتناول وجبة السحور قبل حلول أذان الفجر، استعدادا لمواجهة صيام يوم طويل.
الا أن هذه المهنة او العادة عرفت خفوتا وتراجعا كبيرا، خصوصا مع التطور التكنولوجي، لا سيما في المدن الكبيرة، بعدما كان لكل حي او زنقة “طبال” خاص به.
“الطبال” كما يطلق عليه في طنجة والمغرب عموما، هو ذلك الشخص الذي يجوب الشوارع والأزقة معلنا قدوم رمضان، أو مؤذنا بقرب موعد السحور.
و”الطبال” من بين العادات التي تقاوم الانقراض، وهي عادة متوارثة من الماضي، لها حضور قوي في الأحياء الشعبية والبوادي مقارنة بالشوارع الحديثة والمدن التي أصبحت تغيب في معظمها.
يروي با المفضل، وهو طبال سابق بأحد الأحياء الشعبية بطنجة ويبلغ 83 سنة، يروي لشمال بوست أيام زمان، ايام المجد كما كان يحلو له تسميتها، فهو الطبال الذي عايش اجيال عديد قبل وبعد استقلال المغرب، عايش ثلاثة ملوك، ويقول كانت لمهنة الطبال نكهة خاصة، وكنا نعمل بكرامتنا ، فالكل كان يرحب بنا ويعاملنا معاملة خاصة، بل وكان ينتظر قدومنا.
با المفضل يضيف الطبال عمر شريف، نقوم بإيقاظ الناس من أل السحور طيلة شهر رمضان، بالمقابل يمنحوننا بعد الدريهمات التي تساعدنا في حياتنا اليومية
من جهتها الحاجة بديعة (63سنة) لشمال بوست تروي لنا ذكرياتها مع “الطبال” قائلة، “كان يمر الطبال في حينا ثلاث مرات، المرة الأولى لإيقاظ النساء على وجه الخصوص لتحضير وجبة السحور، والثانية تنبيها منه بقرب موعد الأذان، أما الثالثة فهي إيذانا منه بالإمساك عن الطعام وبدء الصوم”.
اما الحاج حميد (79 سنة)،يقول إن “الطبال” (يقرع الطبل) و”النفار” (يحمل مزمارا طويلا يفوق طوله مترا) و”الغياط” (يحمل مزمارا صغيرا) يتشاركون في مهمة إيقاظ المقبلين على الصيام، قائلا “في بعض الأحياء تجدهم يتقاسمون المهمة فيما بينهم، أما في البعض الآخر فيتولى الثلاثة المهمة نفسها في الحي نفسه لكن بشكل متناوب”.
ويضيف الحاج حميد لشمال بوست أن “النفار” ينفخ في البوق لإيقاظ الناس للسحور ولا يضرب على الطبلة، أما “الغياط” فيقوم بمهمته عبر آلته الموسيقية “الغيطة”.
عمي قاسم ابن حي المصلى، البالغ 89 سنة، يحكي بصعوبة بالغة بسبب المرض، أن مهمة “الطبال” تبدأ في آخر يوم من شهر شعبان معلنا بذلك قدوم رمضان، ويستمر بأداء وظيفته حتى آخر يوم من الشهر الفضيل، بل حتى صباح يوم عيد الفطر
ويسترسل بقوله “يقدم بعض الأهالي للطبال بعض النقود أو طعام السحور كل بحسب استطاعته، لكن من المتعارف عليه أن “الفطرة” (نقود أو طعام) تقدم للطبال في 14 و26 من رمضان”.
الطبال وصراع البقاء
تصارع مهنة الطبال او المسحراتي مما يسمونه في المشرق من أجل البقاء، حيث لا يزال كل من “الطبال” و”النفار” و”الغياط” يجوبون شوارع مدينة طنجة لكن بخفوت كبير، لدرجة انه هناك احياء لا يمرون منها، في ظل إصرار كبير منهم على مقاومة هذا التراجع الذي قاد إليه عامل التكنولوجيا الحديثة بتأثيرها سلبا على التراث وتقاليد العريقة.
حيث باتت الأجهزة الإلكترونية كالهواتف الذكية و”المنبهات” والتلفزيون تنافس “الطبال”، أينما حل، وتهدد بانقراض أبرز المهن والعاديات الرمضانية التي تميز المغاربة في شهر رمضان المبارك.