قبل العودة، سنوات عجاف عاشتها الثقافة بمدينة تطوان، حيث خفت صوت الموسيقى وتدارى رواد الفن والأدب، وكأن مدينة الحمامة البيضاء سكنتها غمامة ظلام لا تمطر إلا دفّا وطبلة.
شائت صناديق اقتراع السابع من نوفمبر 2021 أن تسيّر رياحا جديدة آذنة بالتغيير، معلنة عودة الشمس وانقشاع الظلام، وعودة أمطار الحياة لمدينة العود والريشة والموسيقى الأندلسية المنفلتة من التاريخ كنزق المتمردين القابضين على جمر الحب والحياة، مدينة شقارة والأكرمي ولمفرج…
في قلب تطوان وداخل جدران مسرحها التاريخي اسبانيول، ألهبت خيرت أجواق الموسيقى الأندلسية المئات من التطوانيين المولوعين الذين ملؤوا مقاعد وجنبات المسرح مخمورين بتقاسيم العود ونوبات الموسيقى الأندلسية الساحرة العائدة بزمان الوصل.
ولتسطع شمس الثقافة من جديد كان لابد لرجل مؤمن بدور الثقافة في التنمية أن يقود معركة العودة التي وصلت اليوم إلى مهرجان تطوان للموسيقى الأندلسية الذي عرف نجاحا باهرا حضورا ومشاركة وتنظيما.
المنصوري عبد الرزاق عامل اقليم تطوان وحوله رجال الثقافة بجماعة تطوان وجمعية عشاق وولوعي الآلة بتطوان، نجحوا في جعل النسخة الأولى من هذا المهرجان المتفرد محطة فاصلة في مسيرة النجاحات الثقافية بالمدينة التي أُعيدت لها روحها وانطلقت في سكة بعثها كمدينة للثقافة والحوار والتعايش.
ولا شك أن النجاحات التي بصم عليها “المنصوري” عامل الإقليم كمايسترو يثقن ضبط إيقاع التنمية بالمدينة في تناغم بين مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية وبعث الروح الثقافية، هي السر في الاستفاقة التي تعرفها الحمامة البيضاء والرضى الذي تعبر عنه شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين الذين عادت روح الموسيقى والثقافة لتغذي أجسادهم وعقولهم.
الجميع متفق على أن تطوان عادت لتطوانيتها وأن مسؤوليها نجحوا في استرجاع مدينتهم عاصمة للحياة وروحا للعيش المشترك ومهدا للثقافة والفن، ولو كرهت فئة قليلة أعماها الجشع للمناصب الزائلة، أو غرّر بها للسباحة ضد تيار الحداثة والتغيير.