نواجه في مدننا الحالية واقعًا يمكن تشبيهه بـ”غابات متوحشة”، كما يصفها إيف بيدرازيني، الباحث في مختبر السوسيولوجيا الحضرية في مدينة لوزان السويسرية، حيث يشترك الناس من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في الإحساس بانعدام الأمن نتيجة تفشي ظاهرة العنف في الشارع العام. ويعتبر المؤلف أن هذه الظاهرة تشكل مؤشرًا على تحول جذري في طبيعة المدن التي تشهد أنماطًا من العنف الاجتماعي نتيجة غياب الرقابة على الأفراد.
في مدينة القصر الكبير، حيث يفتقر الشارع العام إلى الدوريات الأمنية والإستراتيجيات الرامية إلى الوقاية من المشاكل الأمنية، أصبح العنف سلوكًا سائدًا. يعكس ذلك استعراضًا للقوة الجسدية باعتباره وسيلة لإثبات الذات.
ومن أبسط تجلياته العنف المتبادل بين الأشخاص، التهديد، الضرب بالسلاح الأبيض، والتعري. كما يتفشى استخدام الألفاظ البذيئة التي تفرض على الناس الانسحاب، لأن أخلاقهم تمنعهم من الاستماع إلى هذه الألفاظ، ناهيك عن الدخول في مواجهات خاسرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قلة الرفق والليونة في المعاملة، واستخدام الكلام الجارح، يضطر العديد من الناس إلى تغيير طرقهم لتجنب المرور بمناطق قد تكون خطرة أو مشاهد صادمة.
تتواجد هذه المناطق بشكل خاص في محيط المحطة الطرقية، وساحات المرس والمنار، وشارع الزرقطوني، والحديقة العمومية القريبة من محطة القطار، وحديقة لمرينة، ودار الدخان، وشارع لمناكيب. هذه الأماكن تتحول إلى أوكار يحتمي فيها بعض الأشخاص المشتبه بهم، سواء كانوا من مستهلكي المخدرات، مدمني الخمر، أو متعاطي الأقراص المهلوسة. كما أن هذه الأماكن قد تصبح ملاذًا للمبحوث عنهم، مما يضطر المارة والسكان لتجنب الدخول في مواجهة معهم خوفًا من التعرض للإهانة أو السباب، بل وحتى لمواقف قد تُجبرهم على الخضوع بالقوة.
هذه المشاهد تؤدي إلى شعور عام بغياب الأمن في المدينة، مما يترتب عنه تردي خطير في الوعي العام للمواطنين. وهنا، يجدر التنبيه إلى تنامي هذا السلوك التدريجي، والتراخي الذي أصاب الأجهزة الأمنية، حيث إن الوضع لم يصل بعد إلى حالة لا يمكن السيطرة عليها.
لكن غياب التدخلات الأمنية الفعالة، وعدم العمل على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، قد يساهم في تفاقم الأزمة.
إن هذه دعوة إلى اليقظة قبل أن نصل إلى نقطة لا يمكن معها التحكم في الوضع.