تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرتقبة إلى المغرب في الفترة من 28 إلى 30 أكتوبر 2024 في إطار تحسين العلاقات الثنائية المتوترة مؤخراً بين باريس والرباط، مع احتمال أن يكون لها تأثيرات على العلاقات المغربية الإسبانية. وتهدف الزيارة إلى إعادة بناء الشراكة بين البلدين بعد فتور في العلاقات، خاصة بعد موقف باريس الإيجابي من قضية الصحراء المغربية ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل سياسي لهذه القضية، وهو ما لاقى ترحيباً من الرباط وانتقادات من الجزائر، التي تربطها علاقات معقدة بفرنسا.
تُعد فرنسا أحد أكبر المستثمرين في المغرب، وتستثمر في مجالات حيوية كالزراعة والصناعة والتكنولوجيا. من جهة أخرى، تعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب، حيث تعتمد العلاقات الاقتصادية بينهما على صادرات هامة واستثمارات متنوعة. لذا، فإن تعزيز العلاقات الفرنسية المغربية قد يعني زيادة المنافسة على فرص الاستثمار والأسواق المغربية، مما قد يضع إسبانيا أمام تحديات جديدة للحفاظ على مكانتها.
تتزامن هذه الزيارة مع خطوات لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ حيث يُتوقع توقيع اتفاقيات هامة في مجالات تشمل الطاقة والاستثمارات في المناطق الجنوبية للمغرب، كمدينتي الداخلة والعيون، وهو ما يتماشى مع اهتمام المغرب بتطوير هذه المناطق. ويصاحب ماكرون وفد يضم وزراء ورجال أعمال فرنسيين، مما يعكس أهمية الجانب الاقتصادي لهذه الزيارة، والذي يُنتظر أن يكون محوراً رئيسياً في استراتيجيات التعاون المستقبلية بين البلدين.
من جهة أخرى، قد تؤثر هذه الزيارة على العلاقات المغربية الإسبانية، حيث تشهد هذه العلاقات استقراراً نسبياً، خاصة بعد الموقف الاسباني الجديد لحكومة مدريد من نزاع الصحراء الداعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل واقعي وممكن لهذا النزاع، إلى جانب تطور التعاون المغربي الإسباني بشأن قضايا أمنية واقتصادية وسياسية. يعني تعزيز الروابط المغربية الفرنسية في هذا التوقيت يثير مخاوف إسبانية باحتمال أن تنافس باريس مدريد على دورها في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالتعاون في قضايا الهجرة والطاقة والتكنولوجيا، وقد يدفع هذا إسبانيا لتعزيز شراكتها مع المغرب لموازنة النفوذ الفرنسي.
قد يتسبب تنسيق باريس مع الرباط حول قضية الصحراء المغربية بزيادة الضغط على إسبانيا، التي تحاول تبني موقف متوازن في هذه القضية؛ وبالتالي فإن التقارب الفرنسي المغربي سيجبر إسبانيا على تحديد استراتيجيتها بوضوح أكبر لضمان مصالحها في شمال إفريقيا، والانفتاح على الاستثمار في الأقاليم الصحراوية التي أعلن المستثمرون الاسبان في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في اختراقها والمنافسة في مشاريع البنية التحتية الضخمة في المنطقة وحَدْو باقي الدول التي فتحت قنصلياتها في مدن العيون والداخلة.
تراقب إسبانيا هذه الزيارة باهتمام، ويعتبر بعض المحللين الاسبان أن زيارة ماكرون للرباط ليست مجرد إعادة للعلاقات التقليدية، بل خطوة لتعزيز الشراكات الدبلوماسية والاقتصادية في إطار جديد يؤثر على السياسة الإقليمية والعلاقات الثنائية في المنطقة ككل، لكنها تراهن كذلك على دورها في خلق تحديات وفرصًا جديدة أمام إسبانيا في علاقتها مع المغرب.
على الرغم من المنافسة المحتملة، فإن تعزيز العلاقات الفرنسية المغربية قد يفتح المجال لتعاون ثلاثي بين المغرب وفرنسا وإسبانيا في مجالات مثل الأمن والطاقة المتجددة والتعليم. البلدين شريكان أساسيان في الاتحاد الأوروبي، ويشتركان في رؤية مشتركة لدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة المغاربية. وتطور العلاقات بين المغرب وأي من البلدين الأوروبيين يُسهم في تعزيز التعاون الثلاثي الذي يعود بالفائدة على الأطراف الثلاثة، مما قد يساعد في خلق إطار جديد للتعاون البناء في الإقليم وكل المتوسط ومواجهة تعقيدات الوضع في الساحل وتهديد تداعياته على الضفتين.
لاشك أن المغرب هو المستفيد الأول من المنافسة المحتملة بين الدولتين الأوروبيتين، وأن تطوير علاقاته معهما بشكل متوازن يخدم المصالح الإستراتيجية للمغرب وعبرهما مع الاتحاد الأوروبي، كما أن دور المغرب في الإقليم وتنامي تأثيره في القارة الافريقية وتعاونه المتميز كشريك في مجال الأمن ومحاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب يجعل منه شريكا أساسيا ومحوريا بالنسبة للطرفين وللولايات المتحدة الأمريكية.
تتميز زيارة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون للمغرب بإلقائه كلمة أمام البرلمان المغربي بغرفتيه، وهو تشريف خصّ به المغرب العديد من رؤساء فرنسا، وغالبا ما يشير إلى المستوى الرفيع للعلاقات بين البلدين، ويثير هذا الحدث ولأول مرة اهتمام في إسبانيا وترقب لزيارة العاهل الإسباني فيليبي السادس للمغرب، وأن يحظى بنفس التشريف.