كشف أكاديميون ومختصون عرب وأفارقة، من مخاطر الإستعمار الجديد الذي قد يهدد استقلالية القارة الإفريقية، مؤكدين أن الأزمات الحالية التي تعاني منها غالبية الدول الإفريقية، خصوصًا أزمة الحدود، التي تعتبر امتدادا لإرث الاستعمار القديم الذي ما زال يعرقل تطور القارة.
هذا وقد اتفق المشاركون، خلال الجلسة الأولى من ندوة “أزمة الحدود في إفريقيا؛ المسارات الشائكة”، المخصصة لـ”الجغرافيا السياسية الكولونيالية والقضايا الاستراتيجية الراهنة”، والمنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته الخريفية الـ 45 والتي انطلقت يوم أمس الاثنين 14 أكتوبر الجاري، على أن التكامل الاقتصادي والسياسي في إفريقيا يمثل السبيل الأمثل لتجاوز الإرث الاستعماري،كما ثم التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الإفريقية لتشكيل تكتلات اقتصادية قوية تساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
المشاركون، أكدوا خلال الندوة التي عرفت حضورا هاما لعدد من الشخصيات السياسية وفعاليات المجتمع المدني على أن القارة الإفريقية تواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالإرث الاستعماري، إلا أن تجاوز هذه التحديات يتطلب مقاربة شاملة تستند إلى الإبداع الفكري والتكامل الاقتصادي، كما تم التأكيد أن الاستعمار الجديد يتخذ أشكالًا متعددة، لكن بالوحدة والتعاون يمكن لإفريقيا أن تستعيد مكانتها وتحقق استقلاليتها الحقيقية.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية الأسبق، ورئيس منتدى أصيلة، “محمد بنعيسى”، أن أزمة الحدود في إفريقيا لم تُعالج بالحزم المطلوب، ولم تُؤسس على مبدأ الإنصاف الذي ينسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا، اذ أعتبر أن التأخير في معالجة هذه الأزمة أدى إلى استفادة بعض الدول والأنظمة من مخلفات هذا الوضع، لأغراض توسعية، مستغلة مخلفات الحقبة الاستعمارية، الأمر الذي ساهم في تعقيد الأوضاع أكثر.
وكشف محمد بن عيسى، ضمن كلمة افتتح بها “موسم أصيلة الثقافي الدولي”، أن استمرار بعض الأنظمة في تثبيت الوضع الحالي القائم على الحدود الموروثة من الاستعمار يساهم في تأجيج التوترات، اذ استشهد بالقرار الذي اتخذته منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963، والذي أقر باعتماد الحدود الاستعمارية، مما أدى إلى نشوء نزاعات حدودية وتوترات سياسية عميقة في القارة.
وأضاف بن عيسى على أن التغلب على هذه المعضلة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تبني مقاربة جديدة، تقوم على التعاون والإنصاف، بعيدا عن منطق القوة والتوسع.
وقال محمد بن عيسى، ضمن كلمة افتتح بها “موسم أصيلة الثقافي الدولي” في دورته الخريفية الـ45، أن استمرار بعض الأنظمة في تثبيت الوضع الحالي القائم على الحدود الموروثة من الاستعمار يساهم في تأجيج التوترات.
واستشهد بالقرار الذي اتخذته منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963، والذي أقر باعتماد الحدود الاستعمارية، مما أدى إلى نشوء نزاعات حدودية وتوترات سياسية عميقة في القارة.
وأكد على أن التغلب على هذه المعضلة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تبني مقاربة جديدة، تقوم على التعاون والإنصاف، بعيدا عن منطق القوة والتوسع.
من جهته اعتبر “مصطفى حجازي”، خبير الاستراتيجية السياسية المصري، إلى أن غياب “قوة الفكرة” قد يؤدي إلى تحول الأوضاع في إفريقيا إلى صراع اقتصادي جديد يهدف إلى استغلال ثروات القارة دون تحقيق أي مكاسب حقيقية لشعوبها.
كما اعتبر حجازي أن الحديث عن تجاوز البعد الاستعماري يتطلب بحثًا عميقًا عن الهوية الإفريقية وشخصيتها المتكاملة، اذ أشار خلال مداخلته إلى مؤتمر برلين عام 1884، الذي كان بمثابة تقسيم استعماري قانوني للقارة الإفريقية، مشددًا على أن الاستعمار لم يكن فقط عملية نهب، بل جاء مصحوبًا بفلسفة استعمارية تهدف إلى تقديم المستعمر كمنقذ للقارة.
وأوضح مصطفى الحجازي أن الاستعمار الأوروبي كان يقوم على ما أسماه “حمض الرجل الأبيض”، وهو مفهوم يرتكز على استغلال الثروات الإفريقية تحت مبررات حضارية، وحذر من القبول بالمتاح في القضايا الإفريقية، مشددًا على ضرورة السعي لتحقيق المطلوب والواجب. وأكد أن الاستعمار القديم قام على “العقلية السعرية” التي تقيم كل شيء بناءً على قيمته المادية.
وأضاف ذات المتدخل إلى أن الأوطان والمستقبل لا يجب أن يكون لهما سعر، بل قيمة. ودعا إلى تبني مقاربة مبدئية ترتكز على العدالة والثقافة والشراكة في تحقيق السعادة المستدامة لشعوب القارة.
أما “الصادق الفقيه”، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي في عمان، فقد توقف الى الواقع الاستعماري والجغرافي الذي تعيشه إفريقيا اليوم، اذ اوضح أن الحدود التي رسمها الاستعمار لا تزال تمثل تحديًا كبيرًا للقارة، حيث عمدت القوى الاستعمارية إلى رسم تلك الحدود وفقًا لمصالحها، مما أضاف تعقيدات جديدة للوضع السياسي والاجتماعي في إفريقيا.
وأكد الفقيه أن الاستعمار لم يقتصر على رسم الحدود بين الدول فقط، بل تجاوز ذلك إلى رسم حدود داخلية داخل الدول نفسها، بهدف تطبيق سياسة “فرق تسد” ومنع استقرار الأوضاع.
وأوضح أن هذه الحدود الداخلية أسهمت في تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية داخل الدول الإفريقية، وأن الاستعمار عمد إلى تجميد القضايا المتعلقة باللغات والثقافات والاقتصادات السياسية في القارة.
أما زكرياء أبو الذهب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، فقد أكد أن القارة الإفريقية لا تزال تعاني من آثار الاستعمار، حيث تشهد “تشرذمًا وتمزقًا وبلقنة”، وهو ما يعد انعكاسًا للإرث الاستعماري.
كما أوضح المتحدث أن الاستعمار ترك وراءه منظومة قانونية غير منصفة، مشيرًا إلى أن هذه المنظومة تستند إلى مرجعيات غربية لا تأخذ في الاعتبار خصوصيات الشعوب الإفريقية.
وأضاف: “القانون الذي لا ينصفنا يحمل في جوهره مفاهيم استعمارية، وهو ما يستوجب إعادة النظر في مجموعة من القوانين والتشريعات التي تعتمد على تلك المرجعيات”.
واعتبر أبو الذهب أن ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية الذي نص على الاحتفاظ بالحدود الموروثة من الاستعمار، شكل تحديًا كبيرًا لدول مثل المغرب، الذي تقدم بتحفظات على تلك المبادئ منذ تأسيس المنظمة.
وأشار إلى أن المغرب ما زال يدفع ثمن هذا الإرث الاستعماري، مستشهدًا بمشكلة الحدود مع الجزائر والاستعمار الإسباني السابق للصحراء المغربية.