شكلت باب سبتة سابقا وصمت عار على جبين الدولة المغربية لعقود من الزمن لما كانت تعرفه من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، بحيث تحولت صور النساء (الحمالات) العاملات في المعبر الحدودي مادة لسخرية أعداء الوطن وغصة في حلق كل الغيورين على صورته وتقريرا أسودا لكل من يبحث عن مواضيع القهر والمعانات والتهميش.
صورة قاتمة اقتنصت الدولة المغربية اللحظة المناسبة لطيها بسلاسة وهدوء الحكماء عبر القطع النهائي مع ملف التهريب عبر باب سبتة، وسد ثغرة رهيبة كانت تثقل كاهل الاقتصاد الوطني، والبحث الجدي عن حلول اقتصادية لاحتواء آلاف العاملين بالمعبر وكذا إيجاد فرص لآلاف الشبان الآخرين من أبناء المنطقة عبر ترسانة من المشاريع والإجراءات والوعود التي خصصت لها ملايير الدراهم.
بدءا من امتصاص بطالة العاملات في معبر الذل وانتهاء بحلول للشباب حاملي الأفكار والمشاريع وانتهاء بحاملي الشواهد والتكوينات، وعد المسؤولون بعمالة المضيق الفنيدق الساكنة بالنجاة ونهاية عهد التهريب المعيشي وبداية عهد العيش الكريم.. ربما سنتحول لحياة تشبه حياة الناس في الضفة المقابلة، هكذا كان الناس يمنون النفس.
سبع سنوات من العمل والشعارات والأرقام والميزانيات والتدشينات… كانت ستكون كفيلة بجعل الفنيدق قطبا اقتصاديا وتجاريا وسياحيا حقيقيا ينسي الساكنة شيئا اسمه مضربة (الخزاين) سبتة ومنصة كبرى لاحتضان طموحات شبابها وتنفيذ مشاريعهم وقطبا عالميا لاستقبال السياح والزائرين.
لكن واقع الحال وبؤسه، يقول عكس ذلك، فلا منطقة الأنشطة الاقتصادية الموصومة بالفشل نجحت في تحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي وتجاري، ولا هدر المال العام على مئات المشاريع الصغرى والمتوسطة نجح في إنقاذ الشباب من البطالة ولا فنادق تمودا باي شفعت للساكنة باستقطاب السياح، ناهيك عن مأساة النساء العاملات في معبر باب سبتة اللواتي تحولن إلى العمل بالسخرة في تدوير الملابس المستعملة لفائدة باطرونا استفادو وحدهم من إغلاق المعبر وفتح آخر لجشعهم.
تطور الوضع إلى اقدام عشرات القاصرين والشبان من الفنيدق والمناطق المجاورة وخلفهم آلاف آخرين قادمين من مدن مغربية مختلفة، على رمي أنفسهم في البحر بحثا عن حلم مرتجى خلف أضواء سبتة القريبة، صك إدانة في وجه كل المسؤولين الفاشلين منتخبين كانوا أو معينين لم ينجحوا رغم الميزانيات الضخمة التي وضعت أمامهم لانتشال المنطقة من الفقر والتهميش إلى الازدهار والتقدم.
قد يقول قائل أن الأمر دُبّر في ليل، ولا طاقة لمسؤول في منع هجرة جماعية خلفها شبكات ومؤامرات ورسائل، لكن قولا آخر يجيب، من ترك الأمر حتى تظهر الثغرات لينفذ منها المتآمرون لا يصلح لرعاية أمور الرعية، وإذا اتسع الخرق على الراقع آن له أن يضع مفاتيح المنطقة لحامي البلاد والعباد فللوطن ملك همام ورجال خلفه قادرون على المضي به لبر الكرامة والآمان.