تعرف تطوان في الوقت الراهن، أزمة حقيقية على مستوى الفضاءات التي تستقبل الشباب وترحب باهتماماتهم وتطلعاتهم. ففي الوقت الذي يشتكي منه مختلف الفاعلون والمؤسسات من ضعف مشاركة الشباب وفقدان ثقتهم في المؤسسات، تغيب المبادرات على أرض الواقع، وتكثر السياسات والتنظيرات بشكل يزيد تعميق الهوة بين الشباب والمؤسسات.
منذ إغلاق باب سبتة وتحويل المنطقة الصناعية، موجات الهجرة الغير مسبوقة، والأزمة الصحية العالمية جراء فيروس كورونا، تأثرت فئة الشباب بشكل كبير ومستوجب لدراسات ومقاربات حديثة. وكل واحدة من هذه السياقات المختلفة تتطلب تدخلا مستعجلا لتدارك احتياجات الشباب ومواكبتهم. لكن، وعلى العكس، لا تحضر في الوقت الراهن فضاءات كافية للاستقبال الشباب والاستثمار في مؤهلاتهم وتطويرها، أو على الأقل توفير فضاءات آمنة لهم لممارسة اهتماماتهم.
على وجه التدقيق، وليس بغرض توجيه اللوم أو أصابع الاتهام، تتوزع دور الشباب في أحياء بعيدة عن مركز المدينة، فتجدها في طابولة، عيساوة وغيرها من الأحياء. التي تبعد بأكثر من خمسين دقيقة عن مركز المدينة، في حين لا تتوفر دار الشباب محمد داوود – وهي الأكثر قربا لمركز المدينة – على فضاءات يمكن للشباب استغلالها، وذلك بسبب تخصيص قاعتين للألعاب الالكترونية والمعلوميات، وقاعة للأدوات الموسيقية، وهو ما يجعلنا نتساءل بكل موضوعية، أين سيمارس شباب بوجراح والطويلع والسكنة والتعمير، والمحنش وباب العقلة… حصصهم الأسبوعية؟ هل عليهم توفير وسائل نقل لدور الشباب البعيدة؟ أم سيتنظرون افتتاح مشاريع ربحية تنتهز هذا الفراغ لحلب جيوب هؤلاء الشباب المتضررين بالإشكاليات المذكورة سابقا؟ وهو ما يحصل اليوم الرياضات أو المقاهي ”الثقافية”، حيث تحضر المخدرات وتغيب الرقابة في أغلبها. وحتى لا نكون قاسيين في نقدنا للمندوبية الإقليمية للشباب، فإن قسم الشباب هو من أفضل الإدارات تجاوبا وتفاعلا، غير أن الموارد المتاحة لهذا القسم لا تسمح له بتحقيق نتائج كافية ومطمئنة.
أما على مستوى الجماعة، فقد طال انتظار تأسيس المجلس الجماعي للشباب، ولا يتوفر الفاعلون المحليون في قطاع الشباب على أية معلومات عن مرحلة تقدم الإعداد للمجلس أو أية رؤوس خيوط أخرى. في الوقت الذي تستثمر مدينة تطوان بمؤسساتها العمومية والمنتخبة، برامجها ومواردها في إرثها الثقافي وتاريخها العريق.
تندر المبادرات المحلية الساعية لإدماج الشباب وخلق فرص حقيقية لهم، وهو ما يجعل الشباب يحسون بأنهم لا زالوا في قائمة الانتظار، وبأنهم مستقبل البلاد فقط على مستوى الشعارات، أما على أرض الواقع، فالتاريخ والماضي هو أكثر استعجالية وأولوية.
إن شباب تطوان اليوم، الذين يتوفرون على كفاءات ومواهب واهتمامات، وحتى أولئك الذين لا يتوفرون عليها. يستحقون فضاءات قريبة إليهم، يقضون أوقاتهم فيها في التعلم والتواصل وممارسة مختلف الاهتمامات الثقافية والرياضية والفكرية، إنهم يفتقدون الإحساس بالأمان والحرية، ولذلك هم فاقدون للثقة. على الجهات المعنية أن تعي أن التغيير لا يكون بانتظار الدعم والشراكات والفرص، وإنما يكون إما بتحقيق خطوات صغيرة، متتابعة ومستدامة، تروم استقطاب الشباب واعطائهم المساحة الكافية للتفريغ، وتمدهم بوسائل تخولهم الاندماج في سوق الشغل وتحسين مستواهم التعليمي. هذه الخطوات تنتظر المبادرة فقط، فتطوان تتوفر على كفاءات كافية على مستوى التنظير والتخطيط، وتتوفر على مجتمع مدني شاب، حديث وطموح، ينتظر إفساح الطريق له للتفكير والمساهمة في تنفيذ الحلول. لكن أولا، نحتاج إلى إجابات للشباب عن الأسئلة البسيطة والبريئة التي يطرحونها:
في نقدر نبقا نجلس مع صحابي نهضرو على الأحلام ديالنا بلا مايقولولنا نسكتو من الصداع؟
فين نقدر ندرب على الكورة بلا مانكون مسجل فالعصبة؟
فين نقدر ندرب على الرقص بلا ما يضربوني ؟