لا يختلف إثنان، على كون أن الشأن السياسي بمدينة طنجة على غرار باقي المدن المغربية، يعيش رداءة الخطاب وتمييع الممارسة السياسية، الأمر الذي يساهم في نفور المواطنين عن العمل السياسي، وعن التفاعل الإيجابي مع السياسيين.
كما لا يختلف إثنان، على أن دورات المجلس الجماعي بطنجة، بدأت تفضح مدى “رداءة” بعض السياسيين، الذين أرادو خدمة مصلحتهم الذاتية ومصلحة أحزابهم بعيدا عن مصلحة المدينة ومصلحة المواطنين، وهو الأمر الذي يتناقض كليا مع “خطاباتهم” التي روجوها خلال إستحقاقات 8 شتنبر.
وعودة للدورة الإسثنائية لشهر يوليوز، التي إحتضنها فضاء القصر البلدي بطنجة، تبين بالملموس أن هناك عدد كبير من السياسيين أرادوا ان يجعلوا من الدورة، دورة للخطاب اليميني الرديئ البعيد عن الدفاع على مطالب الساكنة ومصالحهم.
ولعل جملة من الخطابات والمصطلحات التي استعملت في تلك الدورة توضح أنه هناك خمسة أنواع من السياسيين:
النوع الأول: هو نوع متمرس يعرف جيدا ما ينطق به، ويعرف نوع الصراعات الهامشية التي يجب افتعالها خدمة لأجندة حزبه وأجندته الخاصة “صراع الحميدي ضد بلخيضر/خطاب الغزواني غيلان…” وأبرز المصلحات “أنا ماعندشي الفريق عندي غير الياجور/ أنا كنعرف شنو لفكرشك….”
النوع الثاني: يمثله بعض السياسيين المتحمسين الذين يتحملون مسؤولية تمثيل المواطنين لأول مرة، والذين يريدون إرسال رسائل مشفرة لمن انتخبوهم على أنهم في الموعد لكن الخطاب السياسي يخونهم مثل “أفتخر بكون بني مكادة تتوفر على اقتصاد حلال”، وهو خطاب خطير في حمولته السياسية، خصوصا أن صاحبه ينتمي لحزب اداري محض بعيد كل البعد عن الاديولوجية الدينية، بالإضافة الى كون هذا الخطاب قد يورط بعض المقاطعات الأخرى….”.
أما النوع الثالث: هو نوع من السياسيين، الذين فضلوا الإستمرار في الغياب عن الدورة أو الغياب المتعمد فمنهم لم يحسن قراءة اللحظة السياسية”الغرابي/بن جلون ….” ومنهم من أرسل بغيابه رسالة سياسية واضحة “الشرقاوي…”.
النوع الرابع: هو النوع الذي جعل الدورة، دورة إستثنائية بالفعل، وأرسل رسائل واضحة وفضح زيف خطابات بعض السياسيين والأحزاب معا، وأبرزهم البرلماني ورئيس أكبر مقاطعة في المغرب “محمد الحمامي”، الرجل الذي نزع عنه عباءة الخطاب الشعبوي كما سبق وأن فعل ولبس ثياب المحامي والسياسي الذي يترافع على ساكنة طنجة وعن مقاطعته التي تعتبر أكبر مقاطعة في المغرب.
الحمامي كان واضحا في خطابه الموجه للوكالة الحضارية، وهو الأمر الذي دفع البعض الى “اتهامه بالتحريض” ومحاولة خلق حركة احتجاجية جديدة تمتد لعهد الربيع العربي، متناسيين أن هذا الحراك كان له أثر إيجابي لدرجة أنه دفع جلالة الملك محمد السادس، إلى إلقاء خطاب يتفاعل فيه مع مطالب الشعب والتصويت على دستور جديد ومتجدد، دستور تضمن في طياته نفحات حقوقية وديموقراطية متقدمة، إلا أن الحكومات المتعاقبة على تسيير البلاد مباشرة بعد 2011 وهي حكومة العدالة والتنمية في نسختين وحكومة الحالية، لم يستطيعوا تنزيل روح الدستور على أرض الواقع.
الحمامي إنتصر أيضا للرياضة المحلية، عندما دعا إلى الإعتماد روح التساوي في دعم الفرق الطنجاوية، بعيدا عن مفهوم القبيلة ومفهوم الإنتماء لحزب معين، وهو الخطاب الذي خنق الأغلبية داخل القاعة، وغير من المقترح المقدم من طرف المجلس، الأمر الذي أحرج البعض المستشارين باللجنة الرياضية.
النوع الخامس: وهو النوع الذي يتبع سياسة “كم حاجة قضيناها بتركها”، فهم يمثلون دور السياسي الصامت الذي لا ينطق تماما، نوع ينتمي إلى فئة “الصم والبكم”، والحديث بعد انتهاء الدورات الرسمية، والحديث في المقاهي وغيرها، ليحافظ على علاقته مع الكل، وهؤلاء هم أخطر نوع سياسي في المدينة.
وحتى لا نكون سلبيين، فبقدر ما كانت الدورة سلبية تعمل على تصدير خطاب النفور السياسي، بقدر ما أبانت عن معدن بعض السياسيين الشرفاء وعن تبوث الموقف السياسي عند البعض الذي أدلى بدلوه بشكل منطقي ومتميز بعيدا كل البعد عن الشعبوية، أمثال المستشار عمر اولاد بن حمان، الذي أكد من خلال تدخله أنه متمكن من كل كلمة يقولها، وأيضا السياسي الشاب بلال أكوح المنتمي لحزب الشمعة.
فهل قدر الطناجويين، أن يتواجد سياسيون يسيرون شؤونهم العامة التي تخص حياتهم اليومية بعيدا عن مصلحتهم، وبعيدا عن النبش في ملفات مهمة تهم الساكنة، مثل ملف النظافة وملف ركن السيارات الذي بدء يفوح برائحة “العفن”، وملف سوق الجملة، والإنارة العمومية وغيرها من الملفات الحارقة؟.