Web Analytics
مقالات الرأي

المُغرب التطواني ليس هو أتلتيكو تطوان الإسباني (ج.1)

كثر الحديث مؤخرا عن استعداد فريق المغرب التطواني لإحياء ما يسمى ب”مئوية” تأسيسه، وكان بالإمكان اعتبار الأمر غير مهم لأناه مجرد كرة، والاهتمام بأشياء أخرى. لكن تاريخ الفريق هو جزء من تاريخ المدينة والاحتفال بمئوية غير موجودة هو تحريف لهذا التاريخ والمس بنضال بسيط قام به شبان مغاربة (ولن أقول وطنيين حتى لا أزعج من يزدري جهد هؤلاء الشباب إلى درجة وصفهم ب”وطنيين دباطاطا”) أواخر العشرينيات من القرن الماضي لتأكيد صحوة الفرد المغربي المستعمر.

فجأة، وبدون مقدمات، أطلق المكتب السابق للفريق فرية أن نادي أتلتيكو تطوان الإسباني تأسس سنة 1922 وأن المغرب التطواني الحالي هو امتداد له وبالتالي فهو الفريق المغربي الوحيد الذي لعب في الليغا وأصبح البعض يطالب الجامعة المغربية بأن تحتسب “ألقابه” كبطل للمغرب إبان الحماية. وانطلق هذا اللغو كالنار في الهشيم وازدهر مع الشبكات الاجتماعية والمواقع العشوائية، خصوصا عند تقديم الفريق التطواني لنبذة عنه بمناسبة مشاركته في موندياليتو الفرق سنة 2014. وامتلأت الصفحات والمواقع الاجتماعية بهذا الكلام الذي لا حجة عليه، بل صارت هذه المواقع التي شحنت بمعطيات خاطئة (ومنها موقع الجامعة المغربية وموقع الفيفا) حجة على صحة هذه “المئوية” لدى المتمسكين بهذه الخرافة. وتحول اسم الفريق المختصر في “المُغرب” بقدرة قادر إلى “الأتلتيك” وكأن كلمة “المُغرب” أصبحت مزعجة !

وبالإضافة لهذا النسب الخاطئ شرع البعض في التغني بملعب سانية الرمل، بل أطلقوا عليه اسما لم يسبق له أن حمله من قبل وهو اسم “ملعب ماركيص دي فاريلا” وهو “المهندس” الذي “بناه” سنة 1913 في نظر هؤلاء، بحيث اعتبروه أقدم ملعب في المغرب، بل في افريقيا (دون البحث في تواريخ الملاعب المصرية ولا في جنوب افريقيا).

كان بالإمكان اعتبار كل هذا زلة عابرة من المكتب السابق ومزايدة من بعض أنصار الفريق يستعملونها في السجال الإلكتروني ضد أنصار الفرق الأخرى، لكن أن يتحول الأمر إلى حدث رسمي يستعد الفريق لتخليده فهو أمر لا يمكن تجاوزه، فالتاريخ هو التاريخ ولا يمكن السكوت عن تحريفه. لا يمكن السكوت عن اختراع تاريخ ميلاد الفريق من العدم ولا “قرصنة” تاريخ فريق آخر إسباني ومحترف…

ملعب “لامبيكا” أو حين يحول عسكري جلاد إلى مهندس

البداية من الملعب، فلقد اكتشفت من خلال موقع “ويكيبيديا” (بالعربية والفرنسية) بأنه “…تأسس عام 1913 من قبل المهندس الأندلسي الراحل ماركيس دي فاريلا”…  خرافة أخرى تم اختلاقها. فملعب “لامبيكا” لم يبن سنة 1913 ولا في تلك العشرية، بل بني في شكله البدائي الأولي أواخر العشرينات، ودشن يوم 9 أكتوبر من سنة 1928 وهو التاريخ الذي عرف إجراء الديربي الإسباني فوق أرضيته ما بين ريال مدريد وأتلتيكو مدريد (https://revistalibero.com/blogs/contenidos/el-unico-equipo-extranjero-que-ha-jugado-la-liga)

أما عن الباني المزعوم لملعب 1913 المختلق، فتقول ويكيبيديا بأنه هو المهندس ماركيس دي فاريلا.. لكن لا وجود لمهندس بهذا الاسم، فخوصي إنريكي فاريلا Varela الوحيد ولد سنة 1891 بمدينة قاديس الأندلسية وورث عن أبيه حب الجندية التي التحق بمدارسها إلى أن تخرج سنة 1915 وعين بمدينة مليلية. فكيف لعسكري مهني كان يدرس بإسبانيا سنة 1913 ولم تطأ رجله أرض المغرب سوى سنة 1915، كيف له أن يتحول إلى مهندس يبني ملعبا بتطوان؟

ثم عين كمقيم عام إسباني على المغرب الخاضع للحماية الإسبانية ليستقر بتطوان عاصمة المنطقة وقتها، أي أنه تحول إلى الرجل الإسباني الأول بالمنطقة ابتداء من سنة 1946… وكما افترس بني جلدته خلال الحرب الأهلية بإسبانيا، فلم يتورع عن إسالة الدم المغربي بتطوان خلال مظاهرات 8 فبراير 1948 التي عرفت استشهاد 21 من سكان تطوان (ومن ضمنهم الشهيد عبد اللطيف المدوري) وجرح المئات واعتقال الآلاف، ولم تهدأ المنطقة سوى بعد رحيله سنة 1951 (توفي في شهر مارس من تلك السنة) وحضور المقيم فالينيو Valiño  الذي سلك سياسة مخالفة… هذا هو فاريلا الذي سيقلد منصب الماركيس بعد وفاته كتكريم من فرانكو ونظامه والذي “نصبه” البعض بخفة مثيرة “مهندسا”.

كانت الكرة تمارس في الهواء الطلق في فضاء سانية الرمل الواسع والمفتوح مع دخول الحماية الإسبانية… في أواخر العشرينات (سنة 1928) أحيطت مساحة اللعب بسور وكان الجمهور يتابع المقابلات وقوفا. ثم أضيفت له بعض المدرجات الصغيرة تدريجيا مع مطلع الثلاثينيات، لكنه كان ملعبا للهواية.

(الصورة للملعب سنة 1931)

ولم يعد يساير الطموحات الكروية المتكاثرة التي صاحبت ظهور فرق تلعب في القسم الثالث والثاني للبطولة الاحترافية الإسبانية. فصار من اللازم على إسبانيا التفكير في إعادة هيكلة الملعب في أفق النهوض بالرياضة ودعم فريق المدينة الأول نادي أتلتيكو تطوان الإسباني. لكن هذه الرغبة لم تتجسد سوي في أخر الأربعينات.

وقد تم هذا أيام حكم المقيم العام الجنرال خوصي إنريكي فاريلا المدجج بالنياشين والميداليات التي جمعها في ساحة القتل وليس البناء… كان من الطبيعي، والحالة هذه، أن يسمى الملعب باسمه في مرحلة أولى، أي أن اسم فاريلا (ولم يكن بعد قد نال لقب الماركيس) اقترن بالملعب بعد إعادة هيكلته وتجديده انطلاقا من سنة 1948 وليس كمهندس، بل بصفته مقيما عاما. ولم يسم الملعب بالمرة بملعب الماركيس دي فاريلا، لأن لقب الماركيس أطلق عليه بعد مغادرته لتطوان ووفاته، وقد تغير اسم الملعب سنة 1952 ليتحول إلى الاسم الحالي، ملعب سانية الرمل، أو “لامبيكا” كما يطلق عليه في تطوان والشمال عموما..

إعادة بناء الملعب تمت تحت إشراف مندوب الإقامة العامة الإسبانية في المغرب للأشغال العمومية والمواصلات المهندس فيسينتي مارطوريل (Vicente Martorell) كما يتضح من مقال جريدة “أفريكا ديبورتيفا” بتاريخ 6 شتنبر 1948. وصممه وأنجزه كل من المهندس المعماري خوصي ميغيل دي لا كوادرا صالصيدو (José Miguel de la Quadra-Salcedo)  و المهندس خوليو دي كاسطرو  (Julio de Castro).  وهذه المعلومات عن إعادة البناء متوفرة في الجرائد الإسبانية لتلك الفترة وفي مؤلف أنطونيو برافو نيطو الضخم عن المعمار الإسباني في شمال المغرب، الصادر سنة 2000 ، ص.269. (Antonio Bravo Neto- Arquitectura y urbanismo español en el Norte de Marruecos)

هذا ما تقوله الأحداث والوقائع وما يمكن لأبسط باحث أن يكتشفه دون الحاجة لأن يكون مؤرخا، ولا علاقة لهذا بخرافة ويكيبيديا التي يرددها البعض في صفحاتهم. وعليه يجب نسيان حكاية “أقدم” ملعب في إفريقيا هذه خصوصا وقد استعمرت العديد من بلدانها انطلاقا من القرن التاسع عشر وتكونت بها العديد من الفرق سواء الأجنبية أو المحلية (في جنوب إفريقيا تأسست أول جامعة لكرة القدم في أواخر القرن 19) …

يتبع : نادي أتلتيكو تطوان الإسباني (12 مارس 1933- 10 يوليوز 1956)

زر الذهاب إلى الأعلى