Web Analytics
مقالات الرأي

ياسين ايصبويا يكتب: الجرأة في اتخاذ القرار من أجل الأجيال الصاعدة.

لا يمكن ان يجادل احد في كون التطور والرقي مرتبط بالعلم والمعرفة بالنسبة لكل الأمم. ولا علم دون مؤسسة للتربية، قوية، فعالة، ومنتجة لنخب قادرة على رفع التحدي والمساهمة في التنمية المستدامة. ولعل ابرز أعمدة المؤسسات التعليمية هو الأستاذ (ة)، من حيث قيمته ومكانته الإعتبارية الراقية في المجتمع، والتي تتطلب منا جميعا رفع القبعة له إعترافا بالمجهود الجبار الذي يقوم به من اجل تربية الناشئة، وذلك انطلاقا من التركيبة السكانية الشابة التي يعرفها المغرب. خاصة أن نسبة 26.3% من السكان المغاربة لم يتجاوزوا سن الرابعة عشر من العمر، و43.1% دون سن 25 عامًا، وفق الإحصائيات الرسمية. لذلك، فالضجة المرتبطة بتحديد سن 30 سنة كحد أقصى لاجتياز مباريات الولوج إلى الأسلاك التعليمية كمدرس(ة)، هي، في رأيي، ضجة مفتعلة لتكريس نموذج ” الشاب(ة) السلبي(ة)” الذي لا ملجأ له/لها إلا الوظيفة العمومية عامة، ومهنة التدريس خاصة، بحكم أنها المهنة التي تستقطب الآلاف من المقاعد الشاغرة سنويا. إذ أن السؤال الذي يطرح بإلحاح في هذه القضية: لماذا بقي الشاب(ة) بدون عمل إلى حدود سن الثلاثين سنة من عمره، علما أنه أنهى دراسته الجامعية في سن 23 سنة عامة، أو 25 سنة في حالات خاصة؟ ماذا كان يفعل خلال 7أو 5 سنوات ليحتج على قانون يعطيه هامش 5/7 سنوات من الفرص المتكررة سنوياً؟

هذا لاينفي الحديث عن فشل اغلب السياسات العمومية في توفير مناصب الشغل قارة للشباب المغربي، وضمان الحماية لهؤلاء الشباب أثناء إنشاء مقاولاتهم الخاصة، ومواكبتهم الغير كافية رغم المجهودات الأخيرة. بالإضافة الى ضعف الرؤية الاستشرافية للحكومات السابقة بخصوص المواطن المغربي، منذ ولوجه الى المؤسسات التعليمية الابتدائية، ولغاية حصوله على الشواهد الجامعية. ناهيك عن ضعف المبادرة والثقة لدى الشباب، و عدم تمكينهم من مهارات الإبداع، والابتكار، وايجاد الحلول للتحديات التي تواجههم اليوم.

لذا يجب علينا كفاعلين في المجتمع المدني، التمييز بين المعركة الحقوقية المرتبطة بحق المغاربة الولوج الى الوظيفة العمومية فوق 30 سنة، وبين الولوج الى التدريس في المؤسسات التعليمية والتواصل مع الاجيال الصاعدة بمقاربات وآليات بيذاغوجية جديدة.

فالذي يدافع عن سن ما فوق الثلاثين، عليه أن ينتبه إلى متطلبات البروفايل الناجح للمدرس أكثر من الانتباه لمسألة تحديد سن الولوج إلى التعليم. أما بالنسبة للتميز في معدلات الدراسة، فهو مطلب “جودة” وليس مطلب “تعجيز” ، على اعتبار ان مهنة التعليم كالطب والهندسة والصيدلة والتمريض والاعلام والفن والرياضة تستحق أطرا كفؤة ومؤهلة تأهيلا رصينا لأنها من أهم المهن التى تعنى بصناعة المستقبل، بل يجب ان يكون النقاش المجتمعي حول المناهج التربوية المعتمدة اليوم داخل مراكز مهن التربية والتكوين، وداخل فضاء المؤسسات التعليمية، في ظل غياب أي تحفيز لنساء ورجال التعليم، وضعف دعم الأنشطة التربوية، وغياب العنصر البشري المتخصص في التنشيط التربوي، والثقافي، والفني، والرياضي. كما يجب اعادة النظر في ادوار جمعيات امهات واباء واولياء التلاميذ، لكي تتحمل مسؤوليتها في التدبير وخلق انشطة ابداعية تساهم في الرقي بمستوى التلاميذ.

اما مسألة التمييز الإيجابي، فيما يخص الحاصلين على الاجازة في التربية، فاعتبره منطقيا لاعتبارات عدة، ومن بينها: تملك الطالب(ة) وتمكنه من :
– كفايات متعلقة بالتربية عامة، والمرتبطة بالنمو العقلي، العاطفي، النفسي، الاجتماعي والأخلاقي للطفل، باعتبارها عناصر مرتبطة ومتداخلة في سيرورة النمو حسب المراحل العمرية للطفل.
– الكفايات المرتبطة بعملية التعلم لدى الأطفال.
– وكفايات عملية التعليم التي يقوم بها الراشد تجاه الطفل/المتعلم، وهي الكفايات المرتبطة بالبيداغوجيا والديداكتيك، ومنهجيات التدريس وطرائقه المتعددة.

و أؤكد، مرة اخرى، ان رأيي، هنا، لا ينفي المعركة الحقوقية، المرتبطة بحق الشباب المغربي في الولوج إلى الوظيفة العمومية في الأعمار الأعلى من 30 سنة، وهذا مجال آخر له حيثيات ومتطلبات أخرى.
وختاما، لابد من الإشارة إلى أن تحديد شروط الولوج لأي مؤسسة عمومية يبقى مجرد “نظام داخلي” قابل للنقاش والمراجعة القانونية والتشريعية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى