اليوم نسمع الحديث عن لون سياسي دون كلمة عن المرجعية الإيديولوجية أو الرؤية الاقتصادية أو تصور مجتمعي !
اليوم نسمع الحديث عن مناضل حزب دون إقرانه بقضية يناضل من أجلها ، وأخلاق وقيم تلبسه لون قضيته وسلوكاً يجسد زعمه !
بين ما شهده ويشهده الشارع السياسي في بلادنا من أحداث و وقائع تنسب وتحتسب على آل السياسة والاقتصاد ، هل يجوز الكلام عن نهج أو تأطير اشتراكي أو ليبرالي أو غير ذلك ؟! ألا ينبغي التوقف والتأمل والتمعن ثم بعد ذلك قراءة الواقع ببساطة وجرأة تسمية القط بالقط كما يقول الإفرنج !
ألا يبدو أن تصنيف الشارع السياسي فوق جغرافيتنا من يسار إلى يمين وليبرالي وبورجوازي وإسلام سياسي أصبح لم يعد يساير مغرب 2021 !!
خلال العقود الأخيرة تناوب على وظائف الدولة عدد من التيارات السياسية رغم تفاوت واختلاف درجة ونوعية المسؤولية التي احتسبت لها وعليها. إلا أنه حسب تقارير دولية، مؤشر الفساد ببلادنا تزايد ويتزايد في ارتفاع، والميزانية عندنا في عجز متفاقم، والدين الخارجي في تصاعد مفلس، أما التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية من سيء إلى أسوأ .. إنها إشارات من بين معطيات توحي أن المسألة إذن لا تتعلق بالرؤية السياسية ولا الاقتصادية للألوان السياسية المتعاقبة في تقلد مسؤولية تدبير الشأن العام ، بقدر ما هي رسالة تستدعي بل و توجب البحث في مكان آخر من أجل التشخيص الصحيح لجائحة الانحطاط قبل الافلاس التام لا قدر الله .
كذلك ، إذا عاينا الجامع المشترك لدى مسؤولي مؤسسات التناوب في تسيير قطاعات العيش المشترك ، نجد أن هدر المال العام و تغليب المصلحة الشخصية واستغلال النفوذ هو الثابت .. بتعبير آخر مهما كانت الكفاءة في تدبير الشأن العام، ومهما كان الخطاب، فإن النتيجة واحدة وهي استفحال الفساد وتكريس ماهو سائد.
هذا ما يجعل السؤال حول معايير انتخاب أو اختيار أشخاص آهلين لمسؤولية الخدمة العامة ولمصلحة البلاد والعباد يطرح نفسه .. هذا ما يجعل السؤال و التساؤل عن معايير وفق ما ورد في مقال سابق عن ثوابت التأهيل والكفاءة والأخلاق، باعتبار أن :
ـ الكفاءة بعد وفوق التأهيل تجسد في الخبرة بأمور تدبير الشأن العام والقدرة على حل معضلات الساكنة والجغرافيا لمصلحة العيش المشترك
ـ الأخلاق ، وهو ما ينبغي أن يكون وفق تربية وطنية تكمن في العمل لمصلحة حاضر ومستقبل الأجيال .. تلك الأخلاق ذات المصداقية في السلوك الذي يضهر في الانضباط للمبادئ وتطابق الفعل مع القول والالتزام بكل التزام .
من هنا إذن ، وفي محاولة لقراءة الميدان بشكل غير مألوف ، يأتي الشكلين أدناه :
في الشكل “أ” محاولة لرسم صورة بسيطة ومحدودة لجانب من الشارع حسب اللون السياسي.
في الشكل “ب” نضيف بعد ثالث للشكل “أ ” هذا البعد يقيس ثلاثة متغيرات : التأهيل و الكفاءة والأخلاق.
( هنا تجدر الإشارة إلى أن المساحة المخصصة لكل لون ، كما النسب المعينة للتأهيل والكفاءة والأخلاق ليست بأرقام إحصائيات طبعا بقدر ما هي لشرح الفكرة وتوضيحها بناء على أحجام هندسية)
أما الرسالة من هذا الاجتهاد والقراءة الغير مألوفة ، فهي فكرة تفعيل وتشبيك الفئة “ن” في الشكل “ب” مع بعضها البعض من كل لون لأجل بناء مجتمع الغد ، الفئة “ن” هي فئة النخبة التي يفرض عليها الواقع الغير جميل لحاضرنا تحمل مسؤولية مصير أجيال الأبناء والأحفاد ، الفئة “ن” وهي الكتلة المنشودة بهذه الرسالة هي الأمل عبر التشبيك فيما بينها مادامت تتميز بالعقل والانضباط للعقل ومادام منطقها واحد وأخلاقها عالية .
الأمل وكل الأمل أن تجد هذه الكتلة أرضية مشتركة للاشتغال و أن تعمل بشكل متكامل وفق برنامج كامل مضبوط ومنضبط لأهداف واضحة لمصلحة الوطن والمواطن .
في هذه الظروف بالضبط، حيث مصير ومستقبل أجيال تغرق بأمراض اجتماعية، في هذه الظروف تقع مسؤولية تاريخية على فئة النخبة ، وإن كان الحديث في هذا المقال عن شريحة من أصحاب الألوان السياسية ، إلا أن الكفاءات والطاقات العالية والمُخَلَّقون إنسانيا ووطنيا توجد كذلك بين اللامصنفون سياسيا كما بين رجالات مختلف السلطات في بلادنا .
مستقبل أبنائنا والأحفاد والذرية يقع على مسؤولية كل من أصحاب الطاقات وذوي القدرات المنتجة عمليا وسلوكيا .
للإشارة فقط، ماركس أقام نظريته على أساس عدم استغلال الإنسان للإنسان ، وهذا لا يتناقض والأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية العالية .. كذلك الاستثمار المربح والمنتج للقيمة المضافة هو الذي يُبنى على أساس عدم استغلال الإنسان للإنسان ، حيث كل يتقاضى حسب أدائه و عطائه وقدراته ومساهمته في الإنتاج مع احترام الحد الأدنى الآدمي للعيش الكريم . هذه الإشارة وهذا التذكير هو دعوة للتفكير من خارج العلبة أو الصندوق ، ونداء للإبداع بعيد عن قيود الاصطفاف والخندقة ذات إحداثيات السطح الثنائي الأبعاد .
كلنا مرتبطون بهذه الجغرافيا ، وعليها ما يستحق الحياة بنقاء وبكرامة وإنسانية ، ولأننا أحياء فكل شيء ممكن، يكفي أن نغير فيلترات الإدراك ونُقَوِّم السلوك .