Web Analytics
مقالات الرأي

حرائق غابات الحوز بين المسؤولية الجنائية والسياسية

رشيد الدردابي.. فاعل حقوقي وباحث في الحكامة والتنمية المستدامة
رشيد الدردابي.. فاعل حقوقي وباحث في الحكامة والتنمية المستدامة

الآن وبعد أن وضعت الحرائق أوزارها مخلفة خسائر تتعدى الألف هكتار، ولا ندري كم ضاع داخلها من كائنات: نباتات وحيوانات…كما لن نعرف يوما حجم الضرر الذي تم إلحاقه بالساكنة وبالمنظومة البيئية عموما، فليس لنا الوسائل لإحصاء وتقييم ذلك، كما قد لا توجد أي إرادة لفعل ذلك أبدا.

وقد نقلت لنا مواقع الأخبار الإلكترونية، أنه قد تم تحديد الجناة والدوافع وراء هذا الفعل الشنيع، وأن الأمر لا يتعدى تصفية حسابات بين تجار المخدرات…وأن بعضهم يوجد قيد الاعتقال في انتظار الباقين، وأننا عرفنا مسبقا نتائج التحقيق هذه المرة عكس كل التحقيقات التي لا زلنا ننتظر نتائجها منذ سنوات….وأن المسؤوليات الجنائية قد تم تحديدها بسهولة وبراعة كما هي عادة أجهزتنا الأمنية…

طبعا لا يجادل أحد في أهمية تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، بالنسبة لدولة دخلت في مسار طويل وغير منته لبناء دولة الحق والقانون…

لكن في حالتنا هاته…هل يعتبر كل ذلك كاف؟ هل بإمكان ذلك أن يعوضنا ولو شجرة واحدة أو نبتة يتيمة أو طائرا مفجوعا ضحى بحياته من اجل استمرار ذريته، أو أسماكا نفقت –ببشاعة-في أسفل النهر القادم من منطقة الحرائق؟؟ ليزيد ذلك من حجم الفاجعة، ويؤكد ذلك الترابط الخطير بين مكونات المنظومة البيئية.

إن مسؤولية المجتمع ككل ثابتة اتجاه نفسه وبيئته ومستقبل بقائه، وخاصة في ظل ما نواجهه من كوارث متعاقبة، أثبتت كل الوقائع الميدانية والأبحاث العلمية، ارتباطها الوثيق بالنهب والاستنزاف المنظم والاستغلال المكثف، عن سبق إصرار وترصد لكل الموارد الطبيعية، من أجل مصالح رأسمالية جشعة، ستدمر قريبا كل الغنى والتنوع في طبيعتنا، وتدمر معها ما تبقى من إنسانيتنا.

وطبعا فإن المسؤوليات تتفاوت، باختلاف السلطات والاختصاصات، وما يتوفر لدى مؤسسات المجتمع من إمكانات وقدرات من أجل الحد من تفاقم هذه الكوارث والأزمات.

لذلك فمسؤولية الدولة في هذا الوضع تتصدر المقام، قانونا وأخلاقا والتزاما دوليا، فما جدوى تلك الاتفاقيات الدولية الموقعة، والترسانة القانونية القديمة والجديدة المسطرة، والمؤسسات واللجان الوطنية والجهوية والشرطة البيئية المؤسسة… لمواجهة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيولوجي والغابات والساحل والبيئة والتنمية المستدامة….وكثير مما لا يفهمه ولا يُقدّره المواطنون والمواطنات، لأنهم لا يرون أثره على أرض الواقع، ولا في حياتهم اليومية.

وطبعا لا يتسع المقام هنا للحديث عن ما تحبل به قوانين استصلاح وحماية البيئة 11.03، ولا القانون الإطار للبيئة والتنمية المستدامة 99.12 ، ولا قانون حفظ الغابات واستغلالها، والذي لازالت أغلب فصوله تحيل بشكل غريب إلى مقتضيات سنة 1917 ، ولم يتم تحديثه كباقي القوانين البيئية ليستوعب على الأقل مقتضيات القانون الإطار فيما يتعلق بمبادئ الاحتراز والوقاية أمام الأخطار المحدقة، ثم مبدأ استصلاح البيئة وإرجاع الوضع إلى حالته الطبيعية قبل حدوث الضرر، وهو ما يفرض في حالتنا ضرورة وضع مخطط مستعجل لإعادة تشجير كامل المنطقة، إذا أرادونا أن نصدق أن هناك إرادة حقيقية لحماية الغابة والبيئة، وان الأمر لا يتعلق بتواطؤات مكشوفة بين لوبيات معروفة، من أجل توفير رصيد جديد للمضاربة العقارية وتحقيق مزيد من الأرباح، على حساب ساكنة منطقة الحوز، التي تعيش مفارقة الغنى في الثروات والمناظر الطبيعية، مع التأخر الكبير على مستوى مؤشرات التنمية البشرية المتعلقة بالصحة والتعليم وكل شروط العيش الكريم.

إن مسؤولية عمالة المضيق الفنيدق والمندوبية الإقليمية للمياه والغابات والجماعات الترابية واضحة فيما يتعلق بالعمل على تجنب الكوارث القادمة، عبر إحداث مناطق محمية وإنجاز تصاميم للتهيئة لتلك المحميات بما تتضمنه من مناطق للوقاية وتعزيز الحراسة ووسائل متطورة لإطفاء الحرائق، إلى جانب برامج للتنمية المستدامة تحقق لساكنة تلك المناطق سبل العيش الكريم، وتجعل منها مرتكزا أساسيا لحماية الغابات وكل الموارد الطبيعية التي تكفل الحفاظ على التنوع البيولوجي، وما تبقى من فرص عيشنا واستمرارنا الآمن والمستدام.

وبطبيعة الحال، فإن هذه المسؤوليات المترتبة على الدولة، لن تعفي المجتمع المدني باعتباره تعبيرا حيا عن نبض المجتمع ومطالبه وهواجسه، كما لن تعفيه إخفاقاته وتعثراته السابقة في إحداث مناطق محمية بمرجة اسمير وكدية الطيفور، من النهوض بمسؤوليات تم ترسيمها، بعد نضالات طويلة، في مضمون ومقتضيات القانون الإطار، والتي تؤكد على أدوراه الأساسية في كل عمليات الإخبار والتحسيس والاقتراح والإبلاغ عن كل الأضرار والأخطار والسلوكات التي من شأنها إلحاق الضرر بالبيئة.

لذلك، فإن حملة ترافعية منظمة من أجل إعادة التشجير حالا، ثم إحداث وتهيئة مناطق محمية مستقبلا، هو أقل ما يمكن القيام به، للتقليص من حجم هذه الآفات، وللضغط على كل تلك السلطات من أجل النهوض بالمسؤوليات، وترجمة كل تلك الواجبات الواردة في مختلف النصوص والمقتضيات إلى أفعال وممارسات.

وحتى لا نطلق الصيحات والنداءات… كما حدث عدة مرات…بعد أن تحدث الكوارث والأزمات..

زر الذهاب إلى الأعلى