الحراك الشعبي في الريف يستمر، وينتهي شهر رمضان على إيقاع تظاهرات يومية، ويستقبل الريفيون في الخارج والداخل عيد الفطر الاثنين من الأسبوع الجاري (المغرب احتفل أمس)، وكل المؤشرات تشير إلى مزيد من الاحتقان والتدهور، وهذا يتطلب ما يلي: هل حان وقت المصالحة وتغليب العقلاء الحكمة، لاسيما بعدما اعترف الملك محمد السادس بتأخر المشاريع التي دشنها في الريف ومنها الحسيمة.
وكما هو معروف، لقد انطلق الحراك الشعبي بعد الوفاة المأساوية لتاجر السمك فكري مطحونا في شاحنة للقمامة، خلال أكتوبر الماضي في مدينة الحسيمة، طريقة وفاة فكري واللامبالاة التي تعاملت بها السلطات، في البدء مع هذا الحادث، فجر غضبا كبيرا متراكما، ناتجا عن شعور باليأس وعدم الانصاف، منذ استقلال البلاد سنة 1956، ولاسيما أحداث الريف في نهاية الخمسينيات، التي خلفت العديد من القتلى والمفقودين. والآن يدخل الحراك شهره الثامن، وهناك تساؤل عريض، هل سيقترب من سنته الأولى لأن كل المؤشرات مقلقة للغاية خاصة في هذا الصيف، فهناك تصميم على تحويل 20 يوليو، المقبل تاريخ معركة أنوال، التي انتصر فيها الريفيون بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، الى يوم تاريخي للاحتجاج على الإدارة المركزية في المغرب. في الوقت ذاته، هناك تصميم من طرف عشرات الآلاف من الشباب المهاجر، الذي سيدخل الى الريف المغربي مع بداية العطلة الصيفية لمؤازرة ذويهم وعائلاتهم، وفق ما يسطرونه في شبكات التواصل الاجتماعي.
إن أبرز ما في الحراك الشعبي في الريف، هو اقترابه من مرحلة خطيرة تتجلى في صراع العناد بين الدولة وسكان الريف. التيار الأمني وسط الدولة يرى في استمرار الاحتجاج ضربا لهيبة الدولة، ما قد ينعكس سلبا عليها مستقبلا، في معالجة كل انتفاضة أو مظاهرة، خاصة أن المغرب يغلي حاليا، وهذا التيار تنقصه الليونة والرؤية السياسية، والفهم العميق للتطورات التي يشهدها المجتمع المغربي. أما سكان الريف، خاصةالحسيمة، لم يعودوا يؤمنون بالوعود، ويرون في الضغط في الشارع الوسيلة الوحيدة التي ستجبر السلطات على تلبية مطالبهم الحقة.
قصور فهم الدولة المغربية لتطورات المجتمع المغربي، جعلها ترتكب أخطاء فادحة بكل ما تحمله الكلمة أو حمولة المصطلح من معنى، فهي تتوفر على ربيرتوار أو لائحة جاهزة من الاتهامات المنتمية الى الماضي، بل توظفها الأنظمة غير الديمقراطية، ويتعلق الأمر بتهمة الانفصال والخيانة، وبهذا، فأكبر منزلق كان اتهام الريفيين بالانفصال، لتبخيس المطالب الاجتماعية الحقة والمشروعة. وانخرطت هيئات سياسية بعضها صنيعة الإدارة، وبعضها له تاريخ عريق من التضحيات والشهداء مثل، الاتحاد الاشتراكي في ترويج هذه الأطروحة، ولكنها وعت خطورتها لاحقا، بعد تفجير الأوضاع، وغيرت من خطابها. هذا الاتهام يخلف انعكاسات نفسية سلبية وسط ساكنة، شكلوا عبر التاريخ الدرع الواقي من الغزو الأوروبي، ولنستحضر معركتي مارغايو وأنوال في القرنين التاسع عشر والعشرين لمعرفة تضحيات الريفيين.
المجتمع المغربي الغني بالأحزاب السياسية من كل لون وفج والمليء بالجمعيات الحقوقية، والدولة التي تلعب الوساطة في النزاعات الدولية، مثل ليبيا وقطر مع جيرانها وفي بعض مناطق إفريقيا، فشل في إيجاد آليات مقنعة وصلبة لإرساء حوار وحل النزاع. والنتيجة هي استمرار الاحتجاجات في الداخل، ومنها في عيد الفطر، رغم أن الاعتقالات تجاوزت 125 شخصا، كما أن عواصم وكبريات المدن الأوروبية الكبرى، أصبحت مسرحا للاحتجاجات الضخمة للجالية المغربية، خاصة الريفية. ويحضر المغرب في مختلف وسائل الإعلام الدولية وكأنه يعيش حالة استثناء، سياسيا واجتماعيا، بمعنى عدم الاستقرار، ومختلفة عن حالة الاستثناء الكلاسيكية التي تعني الاستقرار، ومعه يتساءل الكثيرون: هل يعيش المغرب ربيعا عربيا جديدا؟
كان هناك أمل في إصدار الملك محمد السادس عفوا عن المعتقلين، لكن أهالي المعتقلين يطالبون الملك بالإفراج الفوري عن المعتقلين، لأنهم أبرياء، لا يرغبون في العفو، بل تصحيح ما يعتبرونه خروقات، ومنها وصفهم الاعتقالات بالاختطافات، وتصنيف المعتقلين بالسياسيين.
لقد اعترف الملك نفسه منذ أيام بتقصير الدولة في الريف، خاصة الحسيمة، عندما لم تلتزم الدولة بتنفيذ المشاريع في الوقت المناسب، لكن رغم بعض المؤشرات الإيجابية، وهي ضعيفة، فلن تحل الوضع، بل هناك تخوف حقيقي من انفجار سياسي في الريف، الأمر يتعلق بثمانية أشهر من الاحتجاجات التي لا تهدأ ومرشحة للمزيد. وعلى ضوء خطورة الأوضاع، منطقة الريف تتطلب لجنة حكماء من سياسيين ومثقفين ورجال أعمال، لهم مصداقية لدى الريفيين، ومكونة من مغاربة الداخل والخارج، للتمهيد للبحث عن الحل. ومن أهم هذه الشروط التي يتحدث عنها محللون وسياسيون ووسائل إعلام ما لخصته «ألف بوست» في:
ـ احترام كرامة المواطن التي من شروطها حاليا الإفراج عن جميع المعتقلين، وعلى الدولة إيجاد الآلية الدستورية المناسبة، وهي لا تفتقد لهذه الآليات.
– استراتيجية حقيقية لوضع حد للفساد بشتى تلاوينه، بعدما لم يعد الشعب يتحمل مظاهر الاختلاس وفشل القانون في محاربة الظاهرة، بل بدأ هذا الفساد يساهم في تحول المغرب إلى دولة فاشلة اجتماعيا، بعد الوضع المريع والمرعب للتعليم والصحة والبطالة.
– وارتباطا بالنقطة الأخيرة، إعادة الدولة النظر في تسييرها للمرافق العمومية، خاصة المرتبطة بالصحة والتعليم والشغل، وتكون البداية من تلبية المطالب الاجتماعية لساكنة إقليم الحسيمة، والانتقال الى باقي المناطق.
لقد حان وقت حل نزاع الريف بعيدا عن الرؤية الأمنية، حتى لا تمتد نيرانه إلى باقي المغرب.